يومٌ كرويٌ سيكون له ما بعده! / محمد الأمين الفاضل
من مدينة لعيون أتابع حجم الترقب الكبير الذي ينتظر به شبابنا والكثير من كهولنا مباراة الحسم التي ستجمع اليوم منتخبنا الوطني بالمنتخب الجزائري الشقيق، وهي مباراة ستكون نتيجتها حاسمة في تحديد مصيرنا الكروي في كأس أفريقيا للأمم (2023) المنظمة حاليا في ساحل العاج.
هذه المباراة ستكون مباراة حاسمة، ليس فقط كروياً، بل ستكون حاسمة أيضا تدوينيا، فخلال الأيام الماضية انقسم المدونون المهتمون بالشأن الكروي إلى فسطاطين متمايزين، حصروا النقاش حول أداء “المرابطون” في شخص رئيس الاتحادية الموريتانية لكرة القدم، ولا أدري لماذا يُحصر النقاش في شخصه، ويتم تجاوز المدرب واللاعبين لمن يريد أن يحكم بشكل موضوعي على أداء منتخبنا الوطني؟
المهم أن المدونين المهتمين بالشأن الكروي انقسموا إلى فسطاطين، فسطاط يصنف رئيس الاتحادية الحالي على أنه رئيس الاتحادية الأكثر تميزا، وأنه لا فشل في سجله الكروي، وفسطاط آخر يرى أنه الرئيس الأكثر فشلا، وأن لا إنجاز في سجله الكروي…هكذا نحنُ دائما في نقاشاتنا: إما أبيض ناصع البياض، أو أسود قاتم السواد، ولا مجال لأي لون آخر.
بكل تأكيد، فإن هذا النقاش غير موضوعي، وذلك لكونه يربط نجاح المنتخب الوطني وفشله بشخص رئيس الاتحادية، مع تجاهل كل العوامل الأخرى التي قد تؤثر إيجابا أو سلبا في أداء المنتخب الوطني، فإن نجح المنتخب الوطني كان ذلك بفضل رئيس الاتحادية لوحده، وإن فشل المنتخب حُمِّلت فاتورة الخسارة كلها لرئيس الاتحادية.
ما سيحدث في مباراة اليوم سيسير بنا في نفس الاتجاه…
فإن تمكن المنتخب الوطني من الفوز والتأهل، وتجاوز هذه المرحلة الصعبة جدا التي يوجد فيها الآن، فإن ذلك سيعتبره الفسطاط الداعم لرئيس الاتحادية إنجازا كبيرا لرئيس الاتحادية، وسيجعل منه بطاقة حمراء يرفعها في وجوه منتقدي رئيس الاتحادية، وسيخفت بكل تأكيد صوت منتقدي رئيس الاتحادية خلال الأيام القادمة.
وإن خسر المنتخب الوطني لا قدر الله، فإن تلك الخسارة سيجعل منها منتقدو رئيس الاتحادية حجة لا يمكن التشكيك فيها على فشل رئيس الاتحادية في الماضي والحاضر والمستقبل، وعلى عدم أهليته للاحتفاظ برئاسة الاتحادية.
من المؤكد أن دور رئيس الاتحادية في حسن أداء أو في سوء أداء المنتخب الوطني هو دور حاسم ومهم، ولكن ليس من الموضوعي أن يتم تجاهل كل العوامل المؤثرة الأخرى، والتي لا شك أنها تؤثر إيجابا وسلبا على أداء منتخبنا الوطني.
الطريف في الأمر أن المدافعين عن رئيس الاتحادية يتجاهلون كل العوامل المؤثرة في أداء المنتخب الوطني عندما يحقق فوزا، وينسبون ذلك الفوز بكامله لرئيس الاتحادية لوحده، وفي المقابل، فإنهم يستحضرون كل العوامل الأخرى المؤثرة عندما يخسر المنتخب الوطني، وذلك حتى يبعدوا رئيس الاتحادية عن أي خسارة. وعلى العكس من هؤلاء فإن منتقدي رئيس الاتحادية يستبعدون كل العوامل المؤثرة عندما تكون هناك خسارة، وذلك ليربطوا الخسارة بشخص رئيس الاتحادية دون غيره، ويستحضرون كل تلك العوامل المؤثرة عندما يتحقق فوز، وذلك لكي يبعدوا رئيس الاتحادية عن أي فوز كروي يتحقق.
لا خلاف على أن الضحية دائما في هذا النوع من النقاشات هي الموضوعية، وأن الغائب دائما هو النقاش المفيد الذي يشيد بما تحقق كرويا، ويكشف مكامن الخلل في الأداء، ويعطي لكل ذي حق نصيبه كاملا غير منقوص من أي فوز يتحقق أو أي خسارة تقع، فمثل هذا النقاش هو النقاش المفيد، والذي قد يُساعد في تحسن أدائنا الكروي.
المقلق في الأمر أن نتيجة مباراة اليوم ستكون في صالح تكريس عدم الموضوعية في نقاش المهتمين بالشأن الكروي، فإن فاز منتخبنا الوطني، وهذا ما نرجو، فإن أنصار رئيس الاتحادية سيرفعونه مكانا عليا، وإن خسر منتخبنا الوطني ـ لا قدر الله ـ فأن خصوم رئيس الاتحادية سيشنون عليه هجوما قويا وسيحملونه كل المسؤولية فيما حصل.
وتبقى كلمة
إن عدم الموضوعية هذا ليس مرتبطا بالنقاش الكروي فقط، بل إن كل نقاشاتنا السياسية والفكرية والاجتماعية والثقافية والحقوقية تغيب عنها الموضوعية، ويتحكم فيها المزاج والمصالح وأشياء أخرى لا صلة لها إطلاقا بالموضوعية.
حفظ الله موريتانيا..