موريتانيا…كنز سياحي داخلي ينتظر الاستثمار / جدو محفوظ الشيخ

في قلب موريتانيا، حيث تصافح الجبالُ السماء بشموخها، وتزهو السهولُ بوشاحها الأخضر، وتتناثر الواحاتُ كحبات زمرد في بحر الرمال البيضاء، يكمن كنز لم يُستثمر بعد: كنز السياحة الداخلية.
هذه الأرض، بما تحمله من تاريخ عريق وثقافة متنوّعة، ليست مجرد فضاء للعيش، بل فضاء رحب للاستثمار والإبداع، ووجهة قادرة على أن تغني أبناءها عن البحث عن الجمال خارج حدود الوطن.
واليوم، ومع توجيهات فخامة الرئيس إلى الوزراء والمسؤولين للتوجه إلى الداخل، فإن بناء مشروع سياحي وطني لم يعد ترفاً، بل ضرورة، حتى لا نظل نشازاً بين دول الجوار التي جعلت من تضاريسها ثروة اقتصادية. خلال السنوات الأربع المقبلة من “مأمورية الشباب”، يمكن أن نضع الأسس لسياحة وطنية تُسهم في تنمية الداخل وتعود بالنفع على المواطن والخزينة.
—
1. استثمار التضاريس الجبلية
منتجعات جبلية: كما في المغرب (إفران) أو لبنان (فاريا)، يمكن تشييد أكواخ خشبية وشاليهات في ولايات مثل تكانت وآدرار.
رياضات المغامرة: التسلق، الطيران الشراعي، ومسارات للمشي مرفقة بلوحات تعريفية بالبيئة والتاريخ.
مهرجانات جبلية: مهرجانات موسمية في سفوح الجبال، تتنوع بين الموسيقى والأكلات التقليدية.
—
2. استغلال الرمال البيضاء والصحارى
سياحة التخييم: ليالٍ تحت النجوم مع جلسات موسيقية صحراوية، كما في وادي رم بالأردن وصحراء المغرب.
رياضة الكثبان الرملية: التزلج على الرمال، وقيادة الدراجات الصحراوية.
فنادق صحراوية بيئية: خيام وأكواخ فاخرة تقدم تجربة بدوية راقية.
—
3. استغلال الواحات وأشجار النخيل
سياحة الواحات: استلهاماً من واحة سيوة في مصر أو توزر في تونس، حيث تُدمج السياحة بالزراعة وتجربة حصاد التمور.
مهرجانات التمور: بدأت الدولة بالفعل خطوات لتنظيم أسواق سنوية للتعريف بالتمور ومنتجاتها (دبس، عسل تمر، حلويات)، لكن التطوير لا يزال مطلوباً.
—
4. استصلاح الوديان والسهول
حدائق طبيعية محمية: تخصيص بعض الوديان كمحميات للطيور والحيوانات البرية.
رياضات المياه: إذا ما استُغلت السدود والأنهار، يمكن إدخال رياضات كـ”الكاياك” وصيد السمك السياحي.
مطاعم ومقاهي طبيعية: مبنية على ضفاف الأودية، تقدم الأطباق المحلية في أجواء ريفية.
—
5. تطوير الثقافة والتراث
بيوت الضيافة التقليدية: مثل “الرياض” في المغرب، ليعيش السائح تجربة الحياة اليومية داخل بيوت موريتانية مزخرفة.
مهرجانات الفلكلور: بدأت الدولة بالفعل في تنظيم مهرجانات تعكس التنوع الثقافي واللباس التقليدي والموسيقى.
أسواق الحرف اليدوية: إنشاء مراكز دائمة للحصير والجلود والفخار والفضة، ما يزال فكرة بانتظار التنفيذ.
—
6. خطوات تشجيع المواطنين على السياحة الداخلية
دعم النقل الداخلي: انطلقت مبادرات هذا العام لتخفيض أسعار النقل الجوي والبري إلى الولايات.
باقات سياحية مغرية: ما يزال المجال مفتوحاً لتقديم عروض متكاملة (إقامة + طعام + أنشطة) بأسعار معقولة.
حملات ترويج وطنية: بدأت عبر الإعلام والسوشيال ميديا للتعريف بجمال الطبيعة الموريتانية.
تشجيع الشركات الوطنية: منح إعفاءات ضريبية للفنادق والمنتجعات داخل الولايات خطوة ما زالت تنتظر التنفيذ.
—
الخاتمة
إن موريتانيا لا تفتقر إلى المقومات السياحية، بل إلى استراتيجيات ذكية لاستثمارها. فمن الجبال التي تنتظر أن تتحول إلى منتجعات، إلى الواحات التي تُلهم مهرجانات التمور، ومن الصحارى التي تحمل سحر الليل، إلى التراث الذي يشكل الهوية، يمتد طريق طويل يمكن أن يجعل من السياحة رافعة اقتصادية حقيقية.
وإذا ما استُغلت هذه الفرص، فإن الداخل الموريتاني لن يكون مجرد أرضٍ للهجرة، بل سيغدو وجهةً يتطلع إليها المواطن قبل السائح الأجنبي، ليكتشف الكنز الكامن في قلب الوطن.
جدو محفوظ الشيخ ـ كاتب صحفي