بين الأمل والانهيار: مصير المتعاونين في الاعلام العمومي / محمد فاضل الهادي

تابعت بتمعن ما أثير أخيراً حول ملف “المتعاونين” في مؤسسات الإعلام العمومي، وما رافق ذلك من جدل حول طبيعة الترسيم وصدقيته. وأود، من موقعي كخبير في الموارد البشرية ومتابع للقوانين المنظمة للمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري والمالي المستقل، أن أوضح ما يلي:
أولاً: الترسيم لا يكون ترسيماً إلا إذا كان منصوصاً عليه في النظام الداخلي. فكل تسوية لا تجد طريقها إلى النصوص واللوائح الداخلية للمؤسسات تظل مجرد إعلان سياسي أو إجراء إداري مؤقت، يفتقر إلى الضمانات القانونية. الموظف المرسم هو الذي يدرج اسمه في النظام الداخلي، وتحدد حقوقه وواجباته على قدم المساواة مع زملائه، ويستفيد من الامتيازات المقررة لكل موظف عامل بصفة دائمة.
ثانياً: الاعتراف الرسمي من الدولة بهذه الوضعية ـ عبر قرارات لجان أو تصريحات وزراء أو بيانات حكومية ـ يُعتبر في حد ذاته إقراراً قانونياً بالتشغيل الفعلي. وبموجب هذا الاعتراف، فإن هؤلاء المتعاونين الذين أُعلن عن ترسيمهم يصبحون موظفين مرسمين بحكم الواقع والقانون، ويمكنهم اللجوء إلى القضاء الإداري أو العمالي للمطالبة بحقوقهم. فالقاضي، بالاستناد إلى هذه التقارير والبيانات الرسمية، يمكن أن يحكم لهم بجميع الامتيازات المترتبة عن الترسيم منذ انتهاء فترة التربص، بما في ذلك الحقوق المالية والإدارية.
ثالثاً: لا بد أن نؤكد أن عقود التعاون التي استمرت لسنوات دون تحديد أجل واضح أو سقف زمني نهائي، تتحول عملياً إلى عقود ذات آجال غير محدودة. وهذا المفهوم معروف في فقه القضاء وممارسات المحاكم، ويمنح أصحاب هذه العقود صفة أقرب إلى صفة الموظف الدائم منه إلى المتعاون المؤقت.
من هنا، فإن أي مقاربة بديلة مثل “نظام التهجين” أو الحلول الرمادية ليست إلا التفافاً على الحق المشروع. المطلوب هو إدماج صريح وشفاف في النظام الداخلي للمؤسسات: الوكالة الموريتانية للأنباء، قناة الموريتانية، شركة البث، والإذاعة الوطنية. هذا الإدماج وحده الكفيل بإنهاء حالة الهشاشة، وبمنح المؤسسات نفسها استقراراً وظيفياً وبشرياً يعزز مردوديتها وفعاليتها.
إن الترسيم ليس منّة ولا هبة، بل هو استحقاق قانوني واجتماعي. وكل تأخير أو التفاف على هذا الاستحقاق يعرض المؤسسات إلى نزاعات قضائية مريرة، ويضعف الثقة في التزامات الدولة أمام موظفيها وأمام الرأي العام.
غير أن السؤال الذي لا يمكن إغفاله هو: ما مستوى قدرة هذه المؤسسات على الوفاء بالالتزامات المالية المترتبة على هذا الترسيم؟ فإدماج ما يقارب 2000 موظف ـ بين متعاقدين ومرسمين بحكم القانون ـ يعني عملياً رفع كتلة الأجور بشكل كبير وإعادة ضبط جداول الرواتب وفق قواعد النظام الداخلي. وهنا يظهر التحدي الحقيقي: هل تستطيع هذه المؤسسات العمومية ذات الطابع التجاري (شركات مساهمة عامة) أن تضمن رواتب منتظمة ومستدامة لهؤلاء المرسمين وفق المعايير وضوابط نظمها الداخلية، أم أنها ستبقى معتمدة على التحويلات والدعم الحكومي؟ إن الإجابة الصريحة عن هذا السؤال هي التي ستحدد ما إذا كان الترسيم خطوة إصلاحية جريئة، أو مجرد إعلان سياسي يفتقد لأدوات الاستمرارية المالية.
إلى جانب العبء المالي، يطرح هذا القرار تساؤلاً مشروعاً حول الحاجة الفعلية لهذه المؤسسات إلى هذا العدد الكبير من الموظفين. فالقانون الخاص بالمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري أو التجاري المنشأ حديثا، وما تضمنه من نصوص تنظيمية متعلقة بالتسيير والهيكلة والميزانيات، لا يمنح في الأصل مرونة واسعة تسمح باستيعاب آلاف الموظفين دفعة واحدة دون تقييم دقيق للاحتياجات. إن مدراء هذه المؤسسات، يجدون أنفسهم اليوم أمام معاناة حقيقية: من جهة، عليهم تنفيذ قرار سياسي وقانوني بترسيم العاملين، ومن جهة أخرى، يواجهون واقعاً مهنياً وإدارياً قد لا يتطلب هذا الكم الهائل من الموارد البشرية، ما قد يخلق فجوة بين المتطلبات التشغيلية الفعلية والكتلة البشرية المفروضة عليهم قانونياً.
توضيح : هذا الملف لا يتعلق فقط بمكاسب آنية، بل بمصير آلاف الأسر ومستقبل الإعلام العمومي في موريتانيا.
محمد فاضل الهادي