ولاية الحوض الشرقي تتدثر بجلباب المعاناة / أ. سيدي ابراهيم محمد سيدي

رغم اتساع رقعتها الجغرافية، وارتفاع عدد سكانها وناخبيها، وتنوع مواردها الطبيعية، ما تزال ولاية الحوض الشرقي تعيش في دوامة من الإهمال والتهميش، كأنها صفحة منسية في سجل الوطن الكبير.
تبدو الولاية حزينة الملامح، كئيبة المظهر، تئن تحت وطأة المعاناة، في مشهدٍ تتفطر له القلوب قبل الأبصار.
تتكىء هذه الولاية على نعشٍ من الصبر، كأنها تسير في رحلةٍ لا عودة منها، رحلةٍ تطول فصولها كلما امتدّ بك الطريق داخلها.
الداخل إلى أعماقها يشعر وكأنه يسير في نفقٍ يضيق شيئًا فشيئًا، فلا بصيص نورٍ في نهايته، ولا أمل قريبٍ يُرتجى.
قرى متناثرة، بيوت طينية هشة، صامتة كأنها تحتضر، آبار معطلة، وشبكات كهرباء غائبة، يحلّ محلها ضوء الشمس المتقطع، فتبدو الحياة فيها معلقة بين الرمق والبقاء.
كل شيء في الحوض الشرقي لا يدعو إلى التفاؤل: أرض مغبرة، عقول مهاجرة أو خامدة، ونخبة سياسية منشغلة بالمناصب والمكاسب، لا بالناس ولا بحاجاتهم.
تتلون تلك النخب كما الحرباء، تغير جلدها متى شاءت، وتتقن فنّ الخطابة وقت المواسم السياسية فقط، فتظهر للناس استعراضًا لا خدمة، وطمعًا لا إخلاصًا.
لقد اعتاد السكان وجوهًا سياسية متكررة، ألفت أنين الفقراء وجوع المحتاجين، وجعلت من معاناتهم سلّمًا للصعود ومطية للبقاء.
واليوم، حين يجتمع “أطر” الولاية ووجهاؤها باسم التنمية، يغيب عنهم الصوت الصادق، والرؤية الواضحة، والرسالة المعبّرة عن واقعٍ يئنّ من الفقر والحرمان.
فمشاريع كثيرة تعطلت بسبب الفساد وسوء التسيير، بينما يلوذ بعض المسؤولين بالصمت، أو يظهرون في مواسم الزيارات الرسمية، حبًّا في الظهور لا حبًّا في الإصلاح.
في مثل هذه المناسبات، يُستقدَم البسطاء من القرى البعيدة، في سيارات متهالكة تنفث الدخان، وتلفح وجوههم شمس حارقة ورياح جافة، فقط ليصفقوا ويملؤوا الساحات، وكأنهم ممثلون في مسرحية بات الجميع يعرف فصولها ونهايتها.
إنّ ولاية الحوض الشرقي، بما تملكه من موارد بشرية وطبيعية، تستحق حياةً أفضل، ومشاريعَ تنمويةً حقيقيةً، وقياداتٍ تؤمن بأن خدمة المواطن هي شرف وليست سلّمًا للمجد الشخصي.
لقد آن الأوان لأن تستفيق هذه الولاية من سباتها الطويل، وأن تجد مكانها الطبيعي في خارطة التنمية الوطنية، فالأوطان لا تُبنى بالشعارات، بل بالعمل والصدق والوفاء.