رسائل الجسر / القطب أحمد الكريم زياد
تابعنا، بكل فخر واعتزاز في الجالية الموريتانية بغامبيا، مراسيم وضع حجر الأساس لانطلاق الأشغال في بناء الجسر الرابط بين ضفتي النهر من طرف فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، ونظيره السنغالي، السيد ماكي صال.
خطوات جبارة وتضحيات جسام سبقت ومهدت لهذا الحدث العظيم والفريد؛ تعكس بدون شك حرص القيادة الوطنية على مد جسور الود والإخاء والتكامل بين الإخوة والجيران، وتنم عن وعي عميق ومعرفة دقيقة بما لذلك من انعكاس إيجابي على الوطن والمواطن.
لقد حافظ المهاجرون الشناقطة، منذ بواكير سعيهم للانتشار في مناكب الأرض والضرب في أرجائها، على نشر الإشعاع الديني والألق المعرفي المميز والنوعي، حتى باتو عنوان الأمانة والعفة والنزاهة في كل أرض وطئتها أقدامهم من ربوع القارة السمراء، وشكل ذلك في أذهان الأجيال المتعاقبة من السكان المحليين صورة مثالية للإنسان الموريتاني، توحي بالاستقامة والإنصاف والمسالمة، وتحيل إلى وضوح الرؤية وسمو الأهداف ونبل المقاصد، ما فرض احترامهم وتقديرهم من محيطهم ومخالطيهم في المهجر، حتى وصل الأمر بالأجهزة الأمنية والسلطات الإدارية في بعض البلدان مرحلة تصنيفهم فوق الشبهات الجنائية، واعتبارهم الأكثر انضباطا وتقيدا بالقوانين والأنفع للساكنة والمجتمع.
إرث تعاقبت الأجيال المختلفة من أبناء المهاجرين الموريتانيين في إفريقيا على صيانته، والحفاظ عليه، ورفع رايته، وسقاية نبتته؛ ليظل شجرة وارفة الظلال، طيبة الثمار، يستظل بها العابر وابن السبيل، ويستند إليها القانع والمعتر، وقد ساهم أبناء الغربة في النهوض بالاقتصادات المحلية حيث يقيمون، وضمان الاستقرار والتخفيف من وطأة البطالة داخل أوساط الشباب؛ ليكونوا بحق نواة صلبة لبناء دبلوماسية ناعمة، مساعدة ومكملة لتلك الرسمية، من أجل تحقيق الأهداف الاستراتيجية الوطنية السامية، والغايات القومية الكبري، في توطيد أواصر الألفة وتقوية العلاقات البينية بين شعوب المنطقة وسكانها، بما يضمن الوئام والسكينة والسلام، ويعزز النفوذ والوجود الرسمي للبلاد في ربوع القارة المختلفة.
إننا في الجالية الموريتانية بغامبيا، والمهجر الإفريقي عموما، نعتبر هذا الجسر عنوان انفتاح وإشارة اعتراف بما نقدم من خدمات جليلة للداخل الوطني، وما نستحق من مساعدة وإعانة تخففان من وجع الاغتراب وألم النزوح عن الوطن، سعيا لخلق فضاءات تنافسية رحبة وآفاق عطاء واسعة، شكل النجاح الباهر والأداء المتميز السمة الغالبة فيها والعامل المشترك بينها، فوصل بعض أبناء الاغتراب لمراكز قرار حساسة وأماكن قيادة هامة في دول الاستضافة، وتربع آخرون على عروش كيانات تجارية ضخمة وكبيرة، تعكس طموح وإرادة ملاكها، التي أبت الاستسلام والخنوع، وتحلت دائما بالأمل والإصرار، رغم ما واجهت من صعاب وعراقيل، لم تكن إلا داوفع إضافية للنجاح، ووقودا للاستمرار والسير بخطى حثيثة نحو القمة والإبداع، فكانت الشركات القابضة والاستثمارات الوطنية في شتى المجالات عنوانا بارزا في الاقتصادات الإفريقية ما بعد الاستقلال، وامتد النفوذ الروحي لمشيخات ومراجع وطنية عرفت بالصلاح والتقوى والزهد إلى الأدغال الإفريقية، فالتفت عليها جموع الطلاب والمريدين تلتمس البركة وتقويم السلوك والولوج لعوالم النسك والتربية، وانتشر الإشعاع الثقافي والمعرفي عبر قوافل طلبة العلم وخدام الكتاب والسنة، الوافدين للداخل الوالجين إليه لما لمسوا من حسن السمت والتفرغ للتعلم.
يتضح من كل ما سبق لكل مراقب ومهتم ما تشتمل عليه نخب جالياتنا في إفريقيا من مواهب مطمورة وإمكانات مهدورة وقدرأت جبارة، تستحق شرف المشاركة الفعالة في مسيرة البناء والنهوض بالبلد والتضحية من أجله، وتمتلك الوسائل المعرفية والعلاقات الإنسانية والإمكانات المادية المساعدة والمعينة على ذلك،
وسيكون من المناسب في هذا الإطار تلبية مطلبين اساسيين:
الأول: اعتماد يوم وطني للمغتربين بالتعاون مع السفارات والقنصليات،
تنظم فيه المعارض التجارية والملتقيات الثقافية والدورات التكوينية في المجالات المختلفة، للاستفادة بشكل أكبر من رؤوس الأموال المهاجرة، والخبرات الاستثمارية المتراكمة، والقامات العلمية والمشيخات الصوفية.
الثاني: انتهاج سياسة دعم واحتواء للمستثمرين المغتربين، عبر منح قطع أرضية، وإعفاءات جمركية، وتسهيلات إدارية، وفق القوانين واللوائح المعمول بها.
في الأخير نثمن عاليا ما تحقق من تعهدات خلال الجزء المنصرم من المأمورية الأولى لفخامة رئيس الجمهورية، ونجدد الدعم والمساندة، والدفاع عن برنامجه التنموي الطموح، ونؤكد التشبث والانتماء لوطن لا نمتلك سواه، وليس لنا عنه بديل.
القطب أحمد الكريم زياد
بانجول – غامبيا
|
|