المشاريع الطرقية.. فوضى التخطيط وارتجالية التنفيذ
تعرف الشبكة الطرقية في العديد من المحاور أعمال ترميم وورش تصليح وتأهيل غير موفقة، لأنها غالبا ما تكون في الوقت بدل الضائع وبعدما تصبح هذه المحاور في حالة يرثى لها بسبب انتشار الحفر والتقعرات، حتى اقترح بعض الظرفاء ضرورة حفظها على أساس أنها تشبه الحفريات، وثانية الأثافي أن عمليات التأهيل الطرقي لا تسير في الغالب وفق خطة زمنية محددة.
وبغض النظر عن حالة الفوضى التي تكتنف إطلاق الإنشاءات الطرقية والتي تبدأ بتدشينات قد يطول عليها الأمد و قد لا تنتهي إلا بعد مرور عقود وأحيانا تسند المهام والمناقصات إلى أكثر من جهة، فإن الطابع العام لهذه الانشاءات يظل الارتجالية وانعدام التخطيط سواء في ذلك المحاور الطرقية الكبرى في الداخل وفي المدن الكبرى، مما يعرض مصالح سالكي هذه الطرق للضرر والخطر، فلم تعد السرعة المفرطة وحدها السبب المباشر في حوداث السير، ولا الحمولة الزائدة بل أيضا الوضعية السيئة للمقاطع الطرقية.
فهذه الطرق في كمال خلقتها تصبح موحشة إذا جن الطلام، فلا إنارة عليها ولا علامات إرشادية، وفضلا عن ذلك فالطريق ليس مسورا، مما يمكن الحيونات السائبة من تسوره، والانبطاح عليه.
ومن شاهدعدد الشاحنات الجانحة بحمولتها والسيارات المتردية في المهاوي التي خلفتها عمليات جرف الطريق الرابط بين باببي وكيهيدي، أو الطريق بين ألاك وشكار، يدرك مدى خطورة الانشاءات الطرقية غير المكتملة والتي تترك للاهمال والنسيان على مدى شهور، فتتحول الفرحة بإطلاقها إلى حسرة وأسى لدى الناقلين الذين يدركون بفطرتهم وسابق تجربتهم، أن إطلاق مثل هذه المشروعات لا يعني بالضرورة انتظام العمل فيها، ولا يحمل أي بشائر بتحقيق مطالبهم في الأجل المنظور، فقد انتظر السكان لسنوات حتى يكتمل الطريق بين ألاك وأبي تلميت.
وانتظروا عقدا من الزمن لتكتمل بعض المقاطع الطرقية بين تكند والعاصمة، والشيء بالشيء يذكر.
وهكذا تتضخم ضريبة غياب المتابعة والصيانة في المشاريع الطرقية لتكشف عن فوضى عارمة في إطلاق هذه المشاريع، وعن ارتجالية صارخة تكاد تأتي على المكاسب المرتبطة بهذه المشاريع الحيوية، وتفضح العجز الكبير الذي تتخبط فيه موارد الهيئات المكلفة بالتنفيذ والتي أصبحت أشبه بقدرات شركات المقاولة من الباطن وصفقات التراضي- وليست كل صفقات التراضي سيئة- التي تحاول أن تظهر بمظهر شركات الإنشاءات العملاقة القادرة على إطلاق أكثر من مشروع طرقي في وقت واحد رغم التكلفة الباهظة لمثل هذه المشاريع.
لقد كان الأولى بالوزارة الوصية أن تصدر في قراراتها عن تخطيط وترو وأن تكون لديها الشجاعة لرفض أي مشاريع طرقية لا تتوفر لها الاعتمادات المالية ولا دراسات الجدوى.
أحكي لكم معاناتي في سبيل التنقل بين روصو وكيهيدي، لأنقل لكم زفرات و آهات المواطن وحنين أمانيه، لمستقبل مشرق تحمله طريق سالك، في هذه المناطق.
وإلا فأي معنى لماتقوم به هذه الشركات من نبش الطريق وترك أصحاب السيارات لحالهم يعلون النجاد وينزلون الوهاد في رحلة الذاهب فيها مفقود والعائد منها مولود.
لقد عمدت الشركات العاملة في هذا الطريق لنبشها مع تباشير موسم الخير وما تعنيه ” زيادة الطين بلة” وفضلا عن تهالك الطريق و كل المشاكل المتعلقة بها فإن نبشها ونثرها وتركها لحالها هو الضرر الأكبر في هذه الفترة.
ومن هنا يكون السؤال، ألم يكن الأولى والأسلم، سد التغرات المنتشرة على الطريق، ثم تبليطه بعد ذلك، بما شاء الله من الطبقات؟
لقد عشت على هذه الطريق ليلة- 31 يوليو،- حزينة وحياة صعبة، اختلط فيها السيل و المطر بالطين، في الليلة الضلماء وزاد مفعولهما الإهمال، فقد امتلأت الطرق بالمياه نتيجة لوجود ” صالات” أو معديات على شكل تقعر، أصبح ضرها أقرب من نفعها، فالماء توقف عن الجريان بسبب تجمع الأتربة على حافة الطريق، ولأن السكان يصبون القمامة على جنبات الطريق، ومعروف أن الأتربة التي تتجمع على حافة هذه “الصالات” الغربية، تسد المنافذ التي يخرج معها السيل الجارف بماحمل، وهو ما حدث بالفعل.
ومما يلفت الانتباه انعدام وسائل الإنقاذ والمساعدة والتدخل في الحالات الطارئة، حتى سيارات الإسعاف لم تعد تظهر بالعين المجردة وهي ترابط على قارعة الطريق.
يعاني المواطن من تصرفات وزارة التجهيز بوصفها المسؤول الأول عن هذه الاختلالات، ورغم خطاب الوزير الجديد وبشائر النصر والتمكين، التي أعلن عنها في اجتماعه الأول مع أطر قطاعه، فعلى الأرض فإن شيئا لم يتغير، والسماء فوقنا.
موقع الفكر