ماذا يريد حكام باماكو من موريتانيا؟ / محفوظ ولد السالك
لم يعد توتر العلاقات بين نواكشوط وباماكو صامتا، فقد خرج إلى العلن مع تبادل المبعوثين، واستدعاء موريتانيا السفير المالي لديها للاحتجاج على توالي حالات الاعتداء على مواطنيها بالأراضي المالية القريبة من الحدود بين البلدين.
لقد تتالى مقتل الموريتانيين في مالي بوتيرة متسارعة، خصوصا منذ تعاقد المجلس العسكري الانتقالي الحاكم في باماكو مع عناصر من مجموعة “فاغنر” الروسية، بعد طرد القوات الفرنسية، التي كانت السلطات المالية قد استنجدت بها عام 2012 لدى سقوط عدد من مدنها الشمالية بأيدي الجماعات المسلحة.
وانضاف إلى توالي حوادث قتل الموريتانيين، دخول عناصر من الجيش المالي وفاغنر الأراضي الموريتانية، حيث كانت تطارد بعض الأشخاص، في تعد صارخ على السيادة، وفي تطور غير مسبوق كذلك.
وكان الأولى أن ينسق الجيش المالي مع نظيره الموريتاني، كما فعل الأخير في يونيو 2011 حين طارد عناصر من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بغابة “واغادو” على الأراضي المالية وقتل 15 منهم.
إن مقتل الموريتانيين في كل مرة، أمر غير مستساغ والسكوت إزاءه غير منطقي، صحيح أن مالي تشهد عدم استقرار بالشمال والوسط منذ أزيد من عقد، وأن 4 سنوات من حكم العسكر، لم تقض على الإشكال الأمني، وإن غير الحكام الجدد خارطة الشراكات الخارجية للبلاد، فطردوا القوات الفرنسية والأممية، واستقبلوا مرتزقة “فاغنر”.
وصحيح أيضا أن الجيش المالي استعاد بعض المناطق التي كانت تحت سيطرة الحركات الأزوادية، وتتجدد معاركه مع مقاتلي هذه الحركات من حين لآخر، ووصل ذلك في الآونة الأخيرة مناطق قريبة من الحدود مع موريتانيا.
ولكن كل ذلك لا يبرر سلسلة الاعتداء على الموريتانيين، والذين هم في الغالب تجار ورعاة ومنمون، اعتادوا منذ حقب طويلة دخول مالي والخروج منها بأمان، تماما كما يفعل الماليون في موريتانيا، فحركة البضائع والأشخاص في الاتجاهين أمر اعتيادي بين بلدين يتقاسمان حدودا برية طولها 2237 كيلومترا.
ولطالما أولت موريتانيا اهتماما كبيرا لحسن الجوار مع مالي، وأظهرت التضامن معها في مختلف المحن، فحين سيطر المسلحون على مناطق واسعة من شمالها، استقبلت عشرات الآلاف من لاجئيها، وما زالت تؤويهم في شرق البلاد منذ أكثر من عقد.
وحين فرضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “سيدياو” حصارا على مالي جراء الانقلابين العسكريين على الرئيس المدني الراحل إبراهيم بوبكر كيتا، والرئيس الانتقالي العسكري المتقاعد باه نداو، فتحت موريتانيا ميناء نواكشوط أمام الجارة الحبيسة، ووضعته تحت سيطرتها، وشكل ذلك متنفسا كبيرا لها.
وفضلا عن ذلك، فإن موريتانيا نأت بنفسها عن الدخول في الشأن الداخلي لمالي، فلم تتموقع مع أو ضد الانقلابيين، وذات الأمر ينطبق على انقلابات بوركينا فاسو والنيجر، وهي دول ثلاث كانت منخرطة إلى جانب نواكشوط ونجامينا في مجموعة دول الساحل الخمس التي تأسست عام 2014، قبل أن تقرر البلدان الثلاثة الانسحاب مؤخرا في عهد الحكام الجدد.
إن هذه المواقف وغيرها تستدعي أن لا يكون موقف مالي، الاعتداء على موريتانيين عزل على أراضيها تحت أي ذريعة، ومن طرف أي كان: الجيش المالي، أو فاغنر، أو الجماعات المسلحة.
إن التاريخ والجغرافيا والمصالح المشتركة بين البلدين وشعبيهما، يقتضي كل ذلك الاحترام والتضامن، لا توتير الأجواء، ومحاولة البحث عن مشجب جديد يطيل من خلاله العسكريون البقاء في السلطة، بعدما أجلوا الانتخابات إلى أجل غير مسمى، وعلقوا نشاطات الأحزاب والمنظمات، وانسحبوا من منظمات إقليمية، ولم يبق لهم سوى الدخول في توترات مع دول الجوار.
إن من حق مالي فرض تأشيرة دخول على الموريتانيين، ومن حق موريتانيا كذلك أن ترد بالمثل، كما من حقها أن لا تقف مكتوفة الأيدي إزاء مقتل مواطنيها، ولكن الأجدر بالبلدين الجنوح للسلم، وتجاوز الخلافات، دون أن يكون ذلك على حساب مصلحة أي منهما.