اي مآلات سياسية و استراتجية للميثاق الجمهوري؟ / محمد الراظي صدفن

لقد عرفت الدولة الموريتانية عند إستقلالها عن المستعمر الفرنسى تحديات جسيمة يأتي في مقدمتها : شح الموارد و غياب البنية التحتية الضرورية للتنمية و النقص الحاد فى الكوادر البشرية المؤهلة و العجز الكبير في الموازنة العامة التي كانت طوال فترة الستينات بحاجة ماسة إلى الدعم الخارجي ، خصوصًا بعد موجة الجفاف التي ضربت المنطقة بين (1969-1973) مخلفة ورائها تداعيات كارثية على الوضعين الإقتصادي و الإجتماعى للبلد،أصبحت تشكل فيما بعد خطرًا حقيقيًا على مستقبله السياسى .

من أجل مواجهة التحديات ، كان لزامًا على حكومة الإستقلال مدعومة من نخب سياسية وطنية أن تتخذ إجراءات صارمة و إستعجالية لإصلاح الوضع و العمل على تحسين ظروف المواطنين داخل الوطن و تأمين إحتياجاتهم الضرورية.لذلك فقد تمت الإستجابة لهذه المطالب بتأميم ميفرما و إصدار العملة الوطنية( الأوقية) لقد لقيت هذه القرارات الوطنية الشجاعة إستحسانا كبيرًا و تأييدًا شعبيًا واسعًا داخل البلاد و خارجها ، كما كان لها الأثر الطيب بالدفع بعجلة النمو الذي أرتفعت معدلاته بشكل لافت بين سنوات 1973-1975م. غير أن حرب الصحراء قد قوضت تلك الجهود و أستنفذت كل موارد الدولة التي أصبحت في أواخر السبعينات غير قادرة على الوفاء بإلتزاماتها الخدمية الأساسية نتيجة لإرتفاع نفقاتها على هذه الحرب .

و عملا على الخروج من هذا المأزق ، فقد لعبت نخبًا سياسية و فكرية وطنية أدوارًا مهمة في التعبئة و التحريض على إحداث التغيير المطلوب ، فكان إنقلاب 1978م  الذي أطاح بأول تجربة للحكم المدني في موريتانيا و إقامة النظام العسكرى الذي أستمر إلى بداية التسعينات .

و أمام تطور الوضع الدولى آنذاك المتسم بالعولمة و بالنظر للمطالبة الداخلية الملحة بإضفاء مزيد من الإنفتاح السياسى في الحياة العمومية و ضرورة إشراك السكان فى تسيير شؤونهم المحلية، فقد قامت نخب واسعة من الطيف السياسى الوطني من مشارب مختلفة بالإنخراط بشكل جدي في التعبئة الشاملة للعودة للنظام الديموقراطي الذي أصبح تعدديًا و شاركت بشكل فاعل في الإستحقاقات الرئاسية و التشريعية و البلدية سنة 1991م و أنضم البعض منها لنظام  الحكم الذي تشكل في أعقاب تلك الإنتخابات.

و رغم المكاسب التي تحققت من خلال تلك التجربة على مستوي الحريات العامة و خاصة فى مجال تنظيم الأحزاب ، فإن البلاد ظلت تعانى من إختلالات هيكلية معيبة ، أزدادت صعوبة للأسف الشديد خلال العشرية الماضية بإستفحال الأزمة السياسية بين الفرقاء السياسيين التي كادت تعصف بوحدة البلد و إستقراره و كانت قاب قوسين أو أدني من تمزيق نسيجه الإجتماعى.

و لتجاوز هذا الوضع الصعب تنادت أصوات من جهات شتي تقف ورائها نخب سياسية و عسكرية و فكرية و دينية مطالبة بترشيح السيد محمد ولد الشيخ  الغزواني لرئاسة الجمهورية بإعتباره رجل المرحلة المعول عليه في إخراج الوطن من عنق الزجاجة و ذلك لإعتبارات عديدة يضيق المقام هنا عن ذكرها .

و قد تمكن الرجل الذي فاز في الإنتخابات لسنة 2019م بنسبة52بالمائة من الأصوات ، من محو الآثار السلبية للأزمة و حقق تهدئة سياسية غير مسبوقة و وضع حدا نهائيا للتدهور الإقتصادي و فتح المجال لمعالجة مختلف المظالم و أطلق برنامجًا طموحا لإصلاح الدولة و مؤسساتها ، و أعاد الإعتبار إلى منظومتنا القيمية التي تضررت كثيرا.

لهذه الأسباب ، فقد كان موضع تقدير كبير من طرف النخب السياسية و الفكرية الموالية و المعارضة لنظام الحكم على حد سواء . و نحن من موقعنا كمتابعين للشأن السياسى و تطوره في الدولة الموريتانية الحديثة ، نعتبر أن وقوف المعارضة التقليدية وراء الميثاق الجمهوري و إعلان دعمها للإصلاحات التي أطلقها الرئيس يعتبر نقطة تحول تاريخي في نضج تجربتنا الديموقراطية لأن الولاء للوطن و صون إستقلاله و الدفاع عن وحدته و سلامة أراضية و كرامة شعبه يجب أن يكون فوق كل الإعتبارات .

فماهي ياتري التكلفة السياسية التي تسعي الأطراف الموقعة علي هذا الميثاق الحصول عليها من ورائه و هل يلبي كل الطموحات السياسية و الإستيراتيجية لمختلف الفاعلين فى المشهد السياسي الوطني ؟

الأكيد أن رعاية الحكومة للتوقيع علي هذا الميثاق يؤكد من جديد على نجاعة مقاربة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني خصوصًا فيما يتعلق باليد الممدودة و الحوار الصريح و البناء مع مختلف أنواع الطيف السياسى وعلى إلتزامه المبدئي بكل ما يخدم موريتانيا و يحقق رفاهية شعبها و وحدتها الوطنية التي هي محددات رئيسة في نظرته لإدارة الحكم و شؤونه.

و أعتقد أنها رسالة قوية ستكسبه مزيدًا من التأييد الشعبي الذي يؤدي في النهاية إلي الإنتصار على كل الخصوم .

فريق جسور

موقع يعنى بنشر الأخبار الوطنية والدولية مع توخي الدقة ومراعاة المهنية، كما يضع ضمن أولوياته تسليط الضوء على قضايا الجاليات الموريتانية في الخارج، وخاصة في غرب إفريقيا، والتحديات التي تواجهها، وإيصال صوتها وربطها بالوطن الأم، ليشكل بذالك ” همزة وصل بين الوطن وأبنائه”.