إلى متى نستورد الألبان ؟ /محمد محمود احميت فال
الحليب هو الغذاء الأول للإنسان ويعتبر الطعام الأبرز في الطبيعة والأكثر غنى بالعناصر الغذائية التي يحتاج لها الجسم؛ فهو يوفر العديد من المواد الغذائية الضرورية لنمو جسم الإنسان وصيانته, وبكمية متناسبة بعضها مع بعض. فجسم الإنسان يحتاج للحليب ومكوناته في جميع مراحل الحياة ويعتبر كمادة غذائية متكاملة يساعد في نمو وقوة العظام إذ أنه مصدر أساسي للكثير من المواد الغذائية أبرزها مادة الكالسيوم
دراسة للواقع :
تعتبر موريتانيا من أكبر الدول الإفريقية استيرادا للألبان حيث تستورد الحليب ومشتقاته من عشرات الدول حول العالم، من مختلف المستويات الاقتصادية ومختلف القارات حسب إحصائيات 2021.
الشيئ الذي هو نتيجة حتمية لضعف الإنتاج وغياب برنامج واضح المعالم يمكّن من إيجاد حلّ ناجع لإنعاش الإنتاجبة المحلية.
يضاف إلى ذلك طبيعة استهلاك المواطن الموريتاني لمنتجات الحليب، إذ أن متوسط استهلاك الفرد الموريتاني للألبان سنويا يربو كمتوسّط على 133 ليتر للشخص الواحد متجاوزا المعدل المتوسط للاستهلاك الفردي العالمي الذي يقدر بِـ 113 ليتر، وبفرق شاسع مع متوسط الاستهلاك الفردي بإفريقيا الذي يصل في متوسطه إلى 43 ليتر سنويا فقط.
متجاوزة بذلك المملكة العربية السعودية المصنفة حسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة FAO 2023 كأكبر دولة عربية استهلاكًا للحليب ( الإحصائية لم تشمل موريتانيا ) بمعدل 118 كلغ للفرد الواحد سنويًا أي حوالي 109,26 ليتر سنويًا. لتصنف موريتانيا بذلك بشكل فعلي كأكبر دولة عربية استيرادا واستهلاكا للحليب ومشتقاته بميزانية سنوية تقارب 86 مليون دولار سنويًا.
جديرٌ بالذكر أن ميزانية وزارة التنمية الحيوانية، -الوزارة المعنية بتطوير هذا المجال- سنويًا تقدر بما يزيد قليلا على 4 ملايين دولارا سنويًا، أي أننا نصرف ميزانية وزارة التنمية الحيوانية نفسها تقريبًا 22 مرة من أجل استيراد الحليب ومشتقاته سنويًا وذلك حسب إحصائيات الوزارة لعام 2021، في ظل الإخفاق الكبير الذي تشهده سياسة الإنتاج لهذه المادة، عجزٌ كبير في استغلال الموارد الطبيعية في حين تزخر البلاد بثروة حيوانية تعد من الأكبر في المنطقة حيث تصل تقريبا إلى حوالي 31 مليون رأس من مُنتِجات الحليب (بقر ، ضأن، ماعز ، إبل)، ثروة بقيت عذراء من أي استغلال معصرنٍ أو برنامج إنتاجي جاد من أجل الحصول على نتائج ملموسة تخفف حمل الاستيراد السنوي.
وصلت قائمة الدول التي تستورد منها موريتانيا الحليب ومشتقاته إلى 43 دولة حول العالم على رأسها دولة بولندا بنسبة 12,48% من مجمل المستورَدات السنوية.
كما شملت القائمة الجارة المملكة المغربية التي تصل مجمل ثروتها الحيوانية إلى 29 مليون رأس ( موريتانيا قرابة 31 مليون رأس) كأكثر دولة تعتمد عليها موريتانيا في استيراد الحليب ومشتقاته من حيث النوع. وهي الدولة الوحيدة التي نعتمد عليها في الاستيراد بشتى أنواع مشتقات الحليب.
مناقشة :
إن أول وأنجع الأسباب التي تمكّن من التغلّب على هذا الضعف والإخفاق في تغطية الحاجة المحلية لمادة اللبن، متأتٍ في الأساس من خطأين مباشرين وعدة أخطاء غير مباشرة؛ أما الأسباب المباشرة فهي كالتالي :
١- النقص الكبير الذي يشهده مجال الإنتاج الحيواني:
مرت موريتانيا بفترة طويلة شكّلت مرحلة من السبات العميق الذي تليه عواقب وخيمة بلا شك، تمثلت في تجاهل تام لقطاع التنمية الحيوانية مرورًا بطمس المجال ودمج هيكلته في وزارات أخرى، إلى تناسي تكوين أجيال متتالية ترفع الراية وتواصل السباق في مضمار لا يعترف إلا بالعمل الدؤوب والخطى المتواصلة، ثم وأخيرا نزع الثقة وتهميش الكوادر المعنية مباشرة بهذا المجال ، ما نجم عنه خلط واضح في الأدوار وشلل في عجلة التطوّر والنمو!
ب- مساهمة الدولة:
في الدول المجاورة ( السنغال مثالًا) تساهم الدولة بمساعدة المنمّين والمواطنين الراغبين في الولوج لعالم إنتاج الألبان بعدة برامج تحفيزية منذ بداية الألفينات، ساعدت المنمين على الاستفادة من خلال التسهيلات والتشجيع المتواصل نحو رفع مستوى الانتاجية المحلية، كما وفّرت للاقتصاد المحلي انتعاشا لا بأس به بدى جليًا بالتقريب من الوصول للاكتفاء الذاتي من مادة الحليب.
وتشكل لنا وجهة لاستيراد مادة بودرة الحليب.
أما في تونس فقد أعلنت الدولة اكتفائها الذاتي رسميا في هذه المادة منذ عام 1999، نتجة لبرامج مكثّفة دفعت فيها الدولة جهدًا مركزًا وبأيادي مدركة لأهمية التغيير، أوصلتها اليوم إلى طاقة إنتاجية تقّدر بـمليار لتر سنويًا، أي بمعدل 100 لتر لكل مواطن تونسي. وتمثل كل من الدولتين وجهة طيبة لموريتانيا لاستيراد مادة بودرة الحليب (سليا).
أما في موريتانيا فتتشكّل مساعدة الدولة أساسًا في برنامج تحسينٍ للسلالات.
الذي تشوبه عدة شوائب تقنية حالت دون أن يحقق الآمال المطلوبة بالمستوى المطلوب وأن يأتي بنتيجة مرضية كبرنامج معتمد منذ قرابة 15 سنة لم تكن كافية للاستغناء عن 43 دولة ، قد تمنع أي واحدة منها عنا ما توَرّدهُ سنويًا .. !
وفي انتظار يقظة مفاجئة تصيب عقولنا لوهلة فنُدرك حركة الدول من حولنا وتطورهم المستمر في حين نأبى نحن إلا أن نُثبّت أقدامنا في رمال اللا مبالاة.
فهل سنعيد النظر في البرامج المطروحة وجدوائيّتها الإنتاجية ، أم نواصل في صرف 86 مليون دولار سنويًا وقد تزيد ؟