فتنة ركاب الموج / محمد محمود ولد عبد الله

تعتبر رياضة ركوب الأمواج من أخطر الرياضات التي لا قبل لغير المحترفين المهرة بمغالبة مَدها وجَزرها، إذ تتكسر الأمواج غالبا تحت ألواح ركاب الموج، لتنتهي مغامرتهم بالغرق والمصير الرهيب، خصوصا إن كان من حاولوا اعتلاء الموج لا يميزون بين حالات انحساره وانكساره، ولا يفرقون بين اتجاهات الريح ومساراتها، ولا الطّيبِ منها، ولا القاصِفِ الصرصر، والعاصفِ العاتي.
بل إن الراكب الأخرق حين يحيط به الموج من كل مكان ويطيح به، يكون سقوطه مرعبا ومخيفا، فتدفع به قوانين الفيزياء والجاذبية إلى الشقلبة ورأسه منكس إلى الأسفل، لينحدر عموديا نحو القاع السحيق.
ولعل أقرب مثل يُضرب لذلك، رُكابُ الموج في هذه البلاد من سياسيين شَعبويين مردوا على الكراهية وآنسوا خطابها، وحقوقيين مارقين كلما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها، ونوابٍ تعلقوا بأستار ما دون القاسم الانتخابي (نواب البواقي الأكبر)، وظنوا أنهم مانِعتهم حُصونهم وحَصانتهُم من المساءلة والحساب، لكن هيهات هيهات لما يوعدون، يتربصون الدوائر بهذا الشعب ويقعدون له كل مرصد، قد تراءى لهم سراب موجة من الفوضى والتخريب على جثة القتيل المفترض “عمر جوب” الذي راح ضحية جريمة اغتيال ـ ما أنزل الله بها من سلطان ـ في إحدى مفوضيات الشرطة بنواكشوط، فاختلقوا سيناريوهاتها، وابتدعوا حكايتها إفكا وزروا وإرصادا لمن يسعى في الأرض فسادا، وإضراما للهيب البغضاء ونفخا في أُورها، فتنادوا مُصبِحين يتوسلون دموع ذوي الميت ويتلفعون مأساتهم وأحزانهم، يُحرِفون الكلم عن مواضعه ويُظهرون في الأرض الفساد، ثم غدوا على حردٍ قادرين، يتأبطون شرا ويتسابقون للحديث والتحريض ابتغاء الفتنة وابتغاء مرضاة المتطرفين، ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون.
فامتطوا حادثة وفاة المعني ـ غفر الله له ـ وهو في قبضة الشرطة بعد توقيفه متلبسا، فانكشف مَقتهم وبان غِلهم، بعد أن ظنوا أن لن يُخرج الله أضغانهم ويُظهر سوءاتهم، فهمّوا بما لم ينالوا وتوهموا أنهم سيُتقنون ركوب موجها، ويجنون ثمارها، وطفقوا يَخصِفون على هذا الوطن من جمر الفرقة والكراهية ويحرضون على الدولة وأجهزتها، ويحضون على الفوضى والخبال، وقد عَميت عليهم أنباء الحقيقة وغشيتهم غاشية الأحقاد والأوهام السقيمة، فساد التخريب والشغب، وأُحرقت ممتلكات الناس ورُوع الآمنون، وخيم شبح الفوضى على البلد، ولولا صرامة الدولة ويقظتها وتصديها الحازم للغوغاء والمشاغبين لكانت فتنةٌ في الأرض وفساد كبير.
واليوم أزفت آزفة الحقيقة وقال التشريح الطبي القادم من خلف الحدود ـ كما طلب ذووا المتوفَى ـ الكلمة الفصل، وأُعلن للناس جهارا دون تدليس أو تلبيس، من طرف طبيب انتدبته العائلة، أن عمر جوب، مات متأثرا بجرعة زائدة من مخدر الكوكايين وكان ساعتها حديث عهد بالكحول، ولا علاقة للشرطة بحتفه ولا بمصيره، فتكسر الموج تحت راكبيه وانقلبوا رأسا على عقب نحو قاع سحيق من الإخفاق البغيض، ليتولى فريق منهم وهم معرضون، وآخرون قد لووا رؤوسهم واختفوا خلف سُجف فشل أَلفوه وألفهم، وتواروا عن الأنظار من سوء ما بشروا به، بعد أن تمنوا ـ وغرتهم الأماني ـ لو أن أيادي الشرطة كانت ملطخة بدماء عمر جوب، لكن الحق والعدل ليس بأمانيهم ولا أماني سائر شرذمة الفاشلين من الفئويين والعنصريين.