تصدير البطيخ الموريتاني… بين الحقيقة والوهم / الهيبة سيد الخير
تستورد موريتانيا اغلب احتياجاتها من الخضروات من أوروبا (البصل والبطاطا) والمغرب (الطماطم والفلفل الحلو والجزر) والسنغال ومالي (البطاطا الحلوة وخضار اخري متنوعة)، في حين يقال بان البلاد تملك نصف مليون هكتار من الأراضي الزراعية، هذا فضلا عن الموارد المائية الكبيرة ووجود حكومة تعطي عناية خاصة للزراعة وشباب يعاني اغلبه من البطالة.
لا شك ان الرأي العام الوطني اليوم مشوش الذهن، فالمعطيات السابقة لا تتقاطع مع الأخبار التي تقول بوجود منتجات خضار موريتانية على رفوف متاجر التجزئة في أوروبا، لا مع صور لشحنات معبأة بالخضروات، ولا مع الانخفاض الحالي لسعر البطيخ في الأسواق المحلية، خصوصا عندما يقال بان مصدر هذا المنتج هي مزارع داخل البلاد، ويأتي هذا المقال كمحاولة للإجابة على كل الأسئلة التي تدور في اذهاننا جميعا.
إشكالية توفر الخضروات في موريتانيا
تعد زراعة الخضروات من الانماط الزراعية الدخيلة، حيث لم تكن تمارس ولم تزرع في بلادنا بشكل مهم نسبيا، الا في المنصف الثاني من القرن العشرين، لكنها أصبحت اليوم ركيزة أساسية في نظامنا الغذائي نظرا للوعي بأهميتها وفوائدها الصحية العديدة.
يمكن تقسيم الخضروات الي فيئتين أساسيتين: الاولي هي خضروات المناطق الباردة او المعتدلة (الطماطم، الجزر، البصل، البطاطا ،بوافرون ،نافة..الخ ) اما الفئة الثانية فتضم خضار المناطق الحارة ( البطيخ الأحمر، و البطيخ الاصفر وجقتن والبطاطا الحلوة.,الخ) ، تضم الفئة الاولي أهم الخضروات التي يُقبل عليها الموريتانيون ،وهنا تكمن المشكلة ،فالمستهلك يطلبها علي مدار العام ،لكن زراعتها بشكل حقلي تكون مجدية فقط في فصل الشتاء ،ونظرا لقصر هذا الموسم يكون حصادها متزامنا، مما يؤدي غالبا الي انهيار سعرها ،نظرا لغياب منشآت الحفظ والتحويل ،وضعف منظومة التسويق ،وهذا ما يؤدي الي عزوف المزارعين عن التوسع في زراعتها ،بينما تعد الفئة الثانية افضل حالا نظرا لطول موسم زراعتها ،مما يسمح بحصادها علي فترات أطول، كما انها مرغوبة بشدة في اوروبا نظرا لصعوبة زراعتها هنالك.
هل يمكن ان تحقق موريتانيا الاكتفاء الذاتي من الخضروات، وان تصبح مصدرا لها؟
يصعب تحقيق هدف الاكتفاء الذاتي لمنتجات الفئة الاولي في المستقبل المنظور، بينما لا يحتاج الامر لكبير عناء بالنسبة للفئة الثانية، لكن بالمقابل تستطيع البلاد خلال سنوات قليلة ان تحققا فائضا في ميزانها التجاري من زراعة الخضروات، وذلك عن طريق تصدير منتجات الفئة الاولي خلال فصل الشتاء الي اوروبا وشمال افريقيا ففي تلك الفترة تكون منتجاتنا منافسة لأنها مزروعة حقليا وتملك ميزة القرب من الأسواق، اما الفئة الثانية فيمكن ان تكون البلاد أحد المصدرين الرئيسيين لها وخلال اغلب فترات العام.
هل صدرت موريتانيا فعلا منتجات خضار؟
بدأ تصدير الخضروات ( منتجات الفئة الثانية حصرا) الي أوروبا خلال عقد التسعينات من القرن الماضي ،بدعم من المشروع المندمج تطوير الزراعة المروية ومن مبادرات اخري، وكان التسويق مباشرا وغير مباشر أي عن طري السنغال، ولعل تجربة شركة ” الميادين الكبرى لموريتانيا ” اهم التجارب في ذلك المضمار ،نظرا للنهاية المأسوية لتلك التجربة الرائدة، فالمستثمر الفرنسي المالك للشركة اضطر لنقل استثماره الي الجارة السنغال ،بعد تعرضه للمضايقات الطاردة للاستثمار المعروفة، واتيحت لي زيارة الشركة في السنغال، حيث كانت توظف حينها 2400 عاملا وتصدر
الخضار الي اوروبا.
توجد حاليا عدة استثمارات اجنبية ومختلطة ووطنية تصدر الخضار وتركز كلها على منتجات الفئة الثانية نظرا لملاءمة ظروفنا المناخية لزراعتها هذا فضلا عن توفر الماء واليد العاملة الرخصة والقرب من الأسواق الهامة.
لقد زرت إحدى تلك الشركات وهي مختلطة بين مستثمرين وطنيين واسبان، وتتخصص في زراعة البطيخ بغرض التسويق الي اسبانيا، كانت المزرعة خلية نحل، لكن ذلك النشاط والحماس لم يستطع إخفاء حجم الإحباط من منغصات مثل غلاء التزود بالكهرباء، وارتفاع سعرها، وضعف شبكة الاتصالات، ووعورة الطريق، وعدم إمكانية التزود بالمدخلات من موريتانيا حتى المادة العضوية تستورد بالرغم من توفر مخلفات الابقار والاغنام والدجاج، تم ذكر منغصات اخري كثيرة توجها الشاب الموريتاني بعبارة ممزوجة بالحسرة ” كل تفصيل هنا يدفعك للرحيل”.
ساهم نقص الامطار خلال السنوات الماضية في دفع بعض المزارعين المغاربة الي كراء بعض المزارع في منطقة الضفة، لزراعة البطيخ بغرض التسويق للخارج،ويمكن ان تساعد خبراتهم في احداث ثورة في هذا المجال، علما ان العديد من المزارعين في الضفة كانوا قد توجهوا قبل سنوات لتلك الزراعة وحققوا مكاسب كبيرة لكن لم يجدوا البذور والتقنيات الحديثة.
هل تشكل زراعة البطيخ خطرا على مواردنا المائية؟
يجب التفريق بين السياقات المتباينة، في السياق الموريتاني لا توجد مشكلة في استخدام الموارد المائية السطحية لأغراض الإنتاج الزراعي، نظرا لان تلك المياه تهدر، وهي متجددة، لكن بالمقابل يجب الحذر الشديد من أي نشاط زراعي يعتمد على المياه الجوفية ويجب ان يقتصر على الساكنة المحلية وبشروط استغلال متوافق عليها.
كيف يمكن ان يحقق البلد نهضة في مجال زراعة الخضروات؟
ربما لا يعرف الكثير منا اننا نملك موارد مائية هائلة غير مستغلة يسيل لها لعاب الكثيرين وان اغلب تلك الموارد يتبخر دون ان تتم الاستفادة منه وباستغلال جزء يسير منه فقط قد نحدث ثورة، ولن تتحقق تلك الثورة دون تشجيع المستثمرين مما سيساعد في توفير الخبرة ورأس المال، ويمكن تلخيص المحفزات في النقاط التالية:
• انشاء خلية لمواكبة جهود التصدير وجهاز لمراقبة احترام اشتراطات التصدير؛
• سحب رخص الاستغلال الغير مفعلة للمناطق الزراعية حول قناة لمصيدي ووضعها تحت تصرف المستثمرين بالصيغ الملائمة، نظرا لكون تلك المنطقة في مجال الواجهة البحرية وبالتالي تعد منطقة زراعة خضروات بامتياز، وهي الان معطلة الآن، فملاك تلك الرخص لا لصلة لهم بالزراعة وينتظرون فرصة لبيعها بأسعار خيالية؛
• اجراء اصلاح عقاري يضمن سهولة الولوج والتداول للأراضي الزراعية؛
• كهربة مناطق الإنتاج وفك العزلة عنها؛
• تشجيع اقتناء معدات اللوجستيك الخاصة بالنقل والحفظ؛
• ضمان توفير الحماية للمستثمرين من الممارسات المعيقة للاستثمار؛
• توفير نظام قرض زراعي فعال؛
• انشاء شركة مختلطة لتسويق وحفظ وتحويل منتجات الخضر.
ان انفتاح البلاد على الاستثمار يعد حجر الزاوية في مجال تطوير زراعة الخضروات، حيث سيمكن من توفير الخبرة ورأس المال، مما سيسمح بالتثمين المناسب للأراضي الزراعية والموارد المائية واليد العاملة الرخيصة والقرب من الأسواق الهامة.
تعد زراعة الخضروات من القطاعات الكثيفة الاستخدام لليد العاملة، ويمكن ان تساهم في حل مشكلة بطالة الشباب، لذلك يجب على صناع القرار اعطاءها العانية التي تستحق.
المهندس الهيبة سيد الخير