متلازمة الترجمة والتنمية:مقترح جائزة رئيس الجمهورية للترجمة

المصطفى ولد البو/ كاتب صحفي
يقول الكاتب البريطاني أنتوني بورجيس وهو أحد أعلام الصحافة واللسانيات إن الترجمة ليست جعل كلمة مفهومة وانتهى الأمر، وإنما إيصال ثقافة كاملة.
ليست الترجمة رفاهية زائدة وإنما حتمية ثقافية وعلمية يعتمد عليها العالم كأداة أساسية للتواصل بين الشعوب والحضارات المختلفة، ويستخدمها أيضا كرافد مهم من روافد التطور والتنمية، فقد لعبت دورا كبيرا في النهضة الأوروبية حيث انتشرت الثقافة والفكر والفلسفة والطب في أوروبا الغربية قادمة من الأندلس من خلال الترجمة من العربية رغم أن أوروبا مازالت تتنكر لدور الحضارة الإسلامية حتى اليوم حيث يرجع الفضل في التقدم العلمي والتكنولوجي الذي تشهده أمريكا وأوروبا إلى ترجمة أفكار ونظريات ومؤلفات العلماء المسلمين في الطب والرياضيات والكيمياء والفلك والفلسفة والجغرافيا.
تاريخيا أيضا كان اليونانيون يرسلون طلابهم إلى مصر من أجل ترجمة علوم الفلك والزراعة إلى اللغة الإغريقية فالترجمة عُمرها من عمر الحضارات والشعوب تقريبا ولا يمكن الاستغناء عنها ومن لم يستعن بها يكون عادة خارج التصنيف وفي عزلة تامة، وقد أثبت الواقع أن هناك ارتباطا طرديا بين ما تترجمه الأمم من مؤلفات وما تحرزه من تقدم وتطور.
انتبهت الكثير من الدول لأهمية هذا التخصص فوفرت كل الوسائل المادية والبشرية لتصنيع ترسانة متكاملة مهمتها نقل كل العلوم بلغتها حتى يسهل عليها الاستفادة منها بشكل أسرع وأكثر سلاسة معتمدة بذلك على خطة انتقائية تصطاد كلما جادت به قريحة عالم أو مفكر أو طبيب أو مخترع وتضعه بين أيدي أبنائها وبلغتهم الأم، اليابان مثلا والتي تعتبر نموذجا للتقدم التكنولوجي، اعتمدت بشكل أساسي على الترجمة لإطلاق نهضتها الاقتصادية حيث يصل عدد الكتب التي تترجمها اليابان إلى المئات يوميا ويصف اليابانيون بلدهم بـــ” جنة الترجمة” حيث يعتبر من أنشط بلدان العالم في هذا المجال عبر ترجمة آلاف الكتب الأجنبية العلمية والأدبية، وهو البلد الوحيد تقريبا الذي يطبع مجلات متخصصة في الترجمة.
أما في الصين فتتميز باستراتيجية أقرب إلى الدبلوماسية الثقافية، فرغم اعتزاز الصينيين بثقافتهم واعتبارها جامعة وغنية جدا إلا أنهم لم يقللوا أبدا من أهمية الثقافات الأخرى والتي يعتبرونها مكملة لهم ومساعدة على تحقيق نهضتهم الشاملة، فيراقب الصينيون المبدعين والمؤلفين حول العالم ويعرضون عليهم ترجمة أعمالهم إلى الصينية كنوع من التبادل الثقافي لكنه على مذهب المنفعة المتبادلة، ويعد الإمام والشاعر محمد شرف الدين البوصيري هو أول الواصلين إلى الصين من خلال ترجمة قصيدته الأشهر” البردة” إلى اللغة الصينية في نهاية القرن الثامن عشر ليأتي بعده جبران خليل جبران ونجيب محفوظ وطه حسين والشرقاوي والسباعي ومؤخرا الشاعر السوري أدونيس الذي تُترجم وتُدرس قصائده في الجامعات الصينية ومن خلال البوصيري وجبران و أدونيس وغيرهم من الكُتاب والمؤلفين والشعراء العرب استطاعت الصين أن تُكون انطباعا عن الثقافة العربية ليس الهدف منه أدبيا فقط وإنما سياسي أيضا لأن الترجمة هي النافذة الأنسب للاطلاع على ذاكرة الشعوب الأخرى والطريقة الأمثل لمعرفة التراث الفكري والفلسفي والحضاري لأي مجموعة عرقية.
 اهتمام الصينيين باللغة الإنجليزية معروف أيضا حيث يتم منح آلاف الطلبة سنويا إلى الولايات المتحدة وبريطانيا للدراسة والعودة بانطباعات ومشاهدات وخبرات إلى بلدهم لتترجم بعد ذلك إلى إنجازات ومكاسب وليس سرا أو مبالغة إذا قلنا إن اللغة الإنجليزية والترجمة منها إلى الصينية أسهم بشكل كبير في الانفتاح والانتعاش الاقتصادي الذي شهدته الصين، فاعتماد هذه الأخيرة على الترجمة وقناعتها الراسخة بدورها المهم في البحث العلمي بشكل خاص عزز بشكل كبير منظومة الإبداع والإنتاج والتصنيع.
عربيا أسهم فوز نجيب محفوظ بنوبل للآداب في لفت انتباه الغرب للأدب العربي وتغيير سير الترجمة في اتجاه واحد إلى السير في اتجاهين، بمعنى أن الترجمة كانت أساسا إلى العربية وأصبحت منها، لكنها واجهت تحديات كبيرة بعد ذلك أدخلتها في ركود تام لتتسع الهوة بين العرب والغرب الذي يترجم عشرات الآلاف من الكتب سنويا بينما لا تترجم الدول العربية مجتمعة سوى 3000 كتاب فقط.
يمكن القول إن متلازمة التنمية والترجمة قادرة على نشر الثقافة المحلية وتسويقها عالميا سواء من خلال الكتب أو الأفلام السينمائية أو المسلسلات وغيرها وقادرة أيضا على جذب كلما من شأنه أن يشكل إضافة لمجال من المجالات المهمة ثقافية كانت أو طبية أو تكنولوجية إلى آخره وهي الحاضن الأساسي لأي تطور اقتصادي وتنموي ولا مندوحة عنها في أي تقدم علمي أيضا.
الحديث عن أهمية الترجمة عالميا قد يكون تكرارا لكنه ليس كذلك بالنسبة لموريتانيا التي لا تولي هذا المجال اهتماما كبيرا رغم ما يمثله من أهمية، فالبلد يتمتع بثقافة مميزة وقد شهد القرن الثامن عشر والتاسع عشر ترجمات خجولة ركزت أساسا على تراث غير مكتوب وبمبادرة فرنسية لأسباب تاريخية وسياسية، وبالتالي فالثقافة بهذا المفهوم مازالت عذراء لم يتم نقلها إلى العالم حتى اليوم رغم وجود مطالب تم الإعلان عنها في ندوات وملتقيات حول ضرورة ترجمة الشعر العربي مثلا إلى اللغات العالمية.
في هذا الإطار هناك محاولتان بسيطتان إحداهما ترجمة لقصائد الشاعر الفرنسي لا مارتين إلى العربية والثانية ترجمة للشعر الحساني إلى اللغة الفرنسية، ولا تدخل هذه الترجمة في خانة العمل المنظم وإنما مجرد اجتهادات فردية.
للترجمة أهمية كبرى في التطور الحضاري للأمم وتساعد على تحقيق حاجات الإنسان في كثير من نواحي الحياة، حتى أنها أسهمت في تطوير لغتنا العربية بإدخال مصطلحات حديثة إليها.
وإذا أردت أن تقتنع أكثر بأهمية الترجمة، فاعلم أنها كانت آلية أساسية لنقل رسالة الإسلام إلى شعوب العالم ودورها في الدعوة معروف.
 فإذا أردنا ترقية ونشر ثقافتنا خارج حدودنا فالترجمة هي الأداة، وإذا أردنا محاربة التشويه والتنميط فالترجمة هي الحل وإذا أردنا أن نستفيد من تجارب الآخرين ونجاحاتهم فالترجمة هي الوسيلة، وإذا أردنا مواجهة تحديات العولمة فالترجمة هي السلاح.
بعد أن يتشكل الوعي الكافي بأهمية وقيمة الترجمة ويبدأ النقاش الجاد والنخبوي حول آليات التنفيذ، أقترح الإعلان عن جائزة رئيس الجمهورية للترجمة إحياء لهذا المجال وتفعيلا لدوره ودعما لازدهاره لما يمثله من ضرورة حضارية وعلمية وثقافية وسبيلا لإثراء المكتبة الموريتانية بأهم الأعمال الأدبية والعلمية والفنية من ثقافات العالم المختلفة.
يجب أولا أن تكون جائزة مستقلة إداريا وماليا وليست فرعا من جائزة أخرى أو نشاطا على هامش أي معرض من المعارض، وأن تتكون هيكلتها من لجنة تحكيم وتسيير، تتولى الأولى منح الجوائز وتتولى الثانية الإشراف على العملية ويمكن أن تتوزع الجوائز على النحو التالي على سبيل المثال فقط ومن باب إيصال الفكرة:
فئة الترجمة الوطنية: يشارك في هذه الفئة كل من ترجم من العربية إلى اللغات الوطنية الأخرى كالسونيكية والبولارية والوولفية والعكس، تتوزع الأعمال المترجمة في هذه الفئة بين الأمثال والحكم والشعر والنثر والقصص وتهدف أساسا إلى تعزيز الوحدة الوطنية وإذابة الجليد بين شرائح المجتمع تمهيدا للتقارب فيما بينها.
تستحق هذه الفئة أن تولى اهتماما خاصا لما ستمثله من تحفيز وتشجيع على نفض الغبار عن كنوزنا الثقافية والتي تتميز بها كل شريحة من شرائح المجتمع.
فئة ترجمة عالمية: يدخل في هذه الفئة من ترجموا الثقافة المحلية بأجناسها وأصنافها المختلفة إلى اللغات العالمية مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والصينية ومن ترجموا علوم وثقافات الشعوب الأخرى إلى اللغة العربية.
ستساعد هذه الفئة على إثراء المحتوى الثقافي المُترجم حول موريتانيا وإيصاله بسهولة إلى الشعوب الأخرى من جهة والاستفادة من المحتوى العلمي والثقافي للآخرين من جهة أخرى خاصة المتعلق منه بالعلوم الإنسانية والطبيعية.
جائزة ترجمة دولية: تُخصص هذه الجائزة لتكريم الأجانب الذين نقلوا تراثنا وثقافتنا إلى بلدانهم من خلال الترجمة من لغاتنا الوطنية إلى اللغات العالمية، سيمثل المشاركون بهذه الفئة جسرا ثقافيا مهما من أجل التعارف والتبادل وسينقل ثقافتنا من حالة التغريب التي عاشتها لقرون من الزمن إلى التقريب وما ينتج عنه من تواصل وتبادل.
إن الإعلان عن هذه الجائزة سيمهد من دون شك لحراك ثقافي وعلمي كبير في البلاد وسيؤسس لدبلوماسية من نوع خاص مبنية على التواصل والتفاهم الدولي والإقليمي، مما سيسهم في التنمية المحلية، كما ستساعد في جذب السياح إلى البلاد فهي ركيزة من ركائز التنسيق في أي مجال من المجالات.