أحداث وكواليس الليلة الأخيرة لدفع ملفات الترشح.. التي استمرت لساعات الفجر الأخيرة

عاش وسط العاصمة نواكشوط – ليلة البارحة – على وقع ليلة طويلة، استمرت فعالياتها حتى ساعات الفجر، وذلك بالتزامن مع تقديم المرشّحين الرئاسيين الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وبيرام الداه اعبيدي لملفي ترشحهما للمجلس الدستوري.

 

وقد بدأت الأحداث بعيد صلاة المغرب، حيث أفرج القضاء عن قرار يأذن بموجبه للرئيس السابق ولد عبد العزيز بتقديم ملف ترشحه لرئاسيات 2024، وبسبب ضغوط الوقت لم يكن أمام المجلس الدستوري سوى منحه موعدا لاحقا على الموعد الممنوح للمرشح ولد اعبيدي، وذلك الساعة 11 ليلا، أي ساعة واحدة قبل نهاية الوقت القانوني لتقديم ملفات الترشح.

 

ومع حلول الظلام بدأ أنصار الرجلين في التوافد على الساحة الفاصلة بين القصر الرئاسي والبرلمان، والتي يطلُّ عليها من الناحية الشرقية المبنى الجديد للمجلس الدستوري، غير أن أجهزة الأمن كانت أسرع منهم، وطوّقت المكان، ودخلت في مناوشات وتدافع مع المتجمهرين،حتى أبعدتهم    إلى الاتجاه الغربي من الساحة.

 

 

هكذا عرفت ساحة الحرية ومبنى المجلس الدستوري حضورا أمنيا كثيفا شاركت أكثر من 20 سيارة من الشرطة، بقيادة عدة ضباط، كما شاركت فيها فرقة من الحرس كانت تتولى تأمين المجلس الدستوري، وعُززت بأخرى أفرادها مقنّعون، وصلت على متن باص رافق السيارات التي تولّت نقل ولد عبد العزيز.

 

وقد تجمهر أنصار الرئيس السابق ولد عبد العزيز في الجانب الشمالي من الشارع الذي يمر غرب الساحة، فيما تجمهر أنصار ولد اعبيدي في الجانب الجنوبي منه.

 

“مؤامرة مقصودة”
المرشح ولد اعبيدي وعدد من أنصاره وصفوا الأمر بالمؤامرة المقصودة، والاستهداف المباشر لهم، لافتين إلى أن هذا الاستنفار الأمني لم يصاحب تقديم أي مرشح آخر لملفه، أحرى أن يتم الاعتداء على أنصاره، ومنعهم من حضور تقديمه لملف ترشحه.

 

وقد منعت الشرطة رؤساء أحزابٍ وشخصيات سياسية من الوصول إلى مبنى المجلس الدستوري غير أن الأخير رفض تقديم ملفه لحين حضورهم، لتجري اتصالات أثمرت في النهاية السماح لهم باللحاق به.

 

ساعات انتظار 
وعلى الجانب الآخر من الشارع كان أنصار الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز يرفعون صوره ويرددون شعارات مناصرة، ومطالبة بالسماح له بدخول السباق الرئاسي.

 

فيما تجمع فريق دفاعه أمام البوابة الرئيسية للمجلس الدستوري انتظارا لقدومه، ودخلوا في نقاشات متجددة حول أنواع ومستويات ما يصفونها بالخروقات القانونية التي سجلوها خلال مسار دفاعهم عنه من المحاكمة إلى مسار الترشح.

 

وقد لخص منسق هيئة الدفاع محمدن ولد اشدو الواقع اليوم في البلاد، ومثل ل ه بما يتعرض له الرئيس السابق من”غياب المعايير”، و”سيادة تعطيل القانون”.

 

وبعد نحو ثلاث ساعات من الانتظار، وصل الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز على متن سيارة فاخرة تحمل ترقيما عسكريا، ويرافقها باص يحمل عددا من أفراد الحرس المقنعين، كما ترافقها سيارات أخرى.

 

وفور وصول السيارة قفز اثنان من الحرس، ووقفا قرب نافذة السيارة التي سيخرج منها، فيما انتشر أفراد الحرس المقنعين في المحيط، وبعد دقائق انتظار نزل ولد عبد العزيز من السيارة، وصافح فريق دفاعه، المنتظر من الساعات، وقلة من أنصاره سمح لهم بالالتحاق به.

 

 

وتصادف وصول ولد عبد العزيز مع السماح للشخصيات الداعمة لولد اعبيدي بالوصول إلى مبنى المجلس الدستوري ليبدأ هو تقديم ملفه، فيما كان على ولد عبد العزيز الانتظار في قاعة إلى يمين الداخل إلى مقر المركز لحين انتهاء تقديم ملف ولد اعبيدي.

 

أحكم رجال الأمن المقنعون إغلاق الغرفة التي دخلها ولد عبد والمرافقون له، فيما واصل أنصاره الاحتفاء به، وترديد اسمه، وبالتزامن مع ذلك هاجم أحد أنصار المرشح ولد اعبيدي الرئيس السابق، وحمله مسؤولية كل ما وصلت إليه البلاد، وعلى مختلف الصعد.

 

تبادل رسائل 
وفي الطابق الأول بالمجلس الدستوري تبادل المرشح الرئاسي بيرام الداه اعبيدي الرسائل مع الرئيس السابق ولد عبد العزيز وأنصاره، حيث نوه ولد اعبيدي بقوة مواقف ولد عبد العزيز وصموده، مردفا أن السلطات تخاف منهما بسبب مواقفها الرجولية.

 

وقد لاقى موقف ولد اعبيدي تجاوبا كبيرا، وتصفيقا من أنصار الرئيس السابق ولد عبد العزيز الحاضرين في الساحة.

 

ارتباك في التعاطي
وقد ارتبك رئيس المجلس الدستوري جالو مامادو باتيا في تعاطيه مع ولد عبد العزيز والوفد المرافق له، ففور دخول ولد عبد العزيز المبنى نزل باتيا إلى الطابق الأول ووقف عند بداية السلم في انتظار استقباله، ولكن ولد عبد العزيز وبتوجيه من أفراد الأمن توجه إلى قاعة الانتظار.

 

دقائق من الانتظار، صعد باتيا إلى مكتب الأمينة العامة للمجلس وجلس فيه مع عدد أعضاء آخرين في انتظار انتهاء تصريح المرشح ولد اعبيدي ومغادرته لتتاح الفرصة لولد عبد العزيز للصعود إلى الطابق الأعلى.

 

وبعد نحو نصف ساعة، تم إبلاغ رئيس المجلس بمغادرة ولد اعبيدي وجاهزية ولد عبد العزيز للصعود إليه، فغادر مكتب الأمينة العامة، غير أنه بدل النزول إلى الطابق الأرضي صعد إلى الطابق العلوي، وبقي وقتا قبل أن ينزل ويتوجه إلى القاعة التي يوجد فيها ولد عبد العزيز، ويصافحه، ويصعدان معا إلى القاعة المخصصة لاستلام الملفات.

 

طرد للصحافة والمرافقين
وبعيد نحو 20 دقيقة من دخول ولد عبد العزيز إلى القاعة المخصصة لاستقبال الملفات رفقة عدد من داعميه وفريق دفاعه بدأت أفراد الحرس في إبعاد الصحفيين والحضور خارج مبنى المجلس، فيما بدأت الشرطة إبعادهم أكثر للالتحاق ببقية الجمهور المنتظر في الساحة.

 

ومع أن رئيس المجلس الدستوري أكد للحضور قبل دخول ولد عبد العزيز أن المجلس ساحة حرية، وأنه لن تتم مضايقتهم داخله، فإن الحراس المقنعين قاموا بطرد كل الحضور خارج المجلس، ليستلمهم حراس المجلس، ويتم إبعادهم إلى الساحة.

“انقلاب” وتشاؤم للملف
وبعيد الساعة الواحدة فجرا، خرج ولد عبد العزيز من مبنى المجلس الدستوري رفقة عدد من داعميه وفريق دفاعه، حيث رافقه الحراس المقنعون إلى السيارة التي وصل على متنها لتعود به إلى السجن.

 

وتم تخصيص سيارة سوداء من نوع “تويوتا TX” تحمل ترقيما عسكريا لنقل ولد عبد العزيز من السجن إلى المجلس الدستوري وإعادته، فيما رافقتها سيارات عسكرية أخرى من نفس النوع، إضافة لسيارة ثالثة من نوع “تويوتا – هيلكس” بيضاء اللون، فضلا عن باص يحمل الحراس المقنعين.

وفور مغادرته، توجه الداعمون له وفريق دفاعه إلى الساحة، حيث تحدث رئيس حزب جبهة التغيير (تحت التأسيس) سيدنا عالي ولد محمد خونه عن تشاؤمهم من موقف المجلس الدستوري تجاه ملف ولد عبد العزيز، متوقعا أن تصلهم تعليمات برفضه.

 

ووصف ولد محمد خونه ما تعرض له المجلس الدستور بالانقلاب، حيث إن قوات الحرس قامت بانقلاب على المجلس الدستوري ورفضت الانصياع لأوامر رئيسه بالسماح للصحافة بالبقاء داخل المجلس.
ولفت ولد محمد خونه إلى أن رئيس المجلس الدستوري جالو مامادو باتيا أبلغهم أن المجلس ساحة حرية، لكن العسكريين رفضوا أوامره، معتبرا أن هذا يعدُّ دفنا للديمقراطية، حيث إن العسكريين قالوا إن لديهم تعليمات بمنع ولد عبد العزيز من الحديث لوسائل الإعلام.
وتمنى ولد محمد خونه أن يقوم العسكريون الذين قاموا الليلة بانقلاب على المجلس الدستوري بانقلاب على الرئاسة، مردفا أن ما يجري بالرئاسة يتم بتعليمات من العسكريين.

 

وفور انتهاء أحاديثهم، بدأ أنصار ولد عبد العزيز في مغادرة الساحة الواقعة بين القصر الرئاسي والبرلمان لتستعيد هدوءها بعد ساعات من الحشد والاستنفار الأمني الكبير.

موقع الأخبار انفو