“الأوامر غير القانونية”.. أزمة الإدارة الموريتانية وعنوان الفساد الأكبر

في الشهادة التي قدم الجنرال أحمد ولد بكرن أمام القضاء، كانت عبارة تلقي الأوامر ترد بشكل واضح وصريح، وكأنها المخرج القانوني الذي يتوكأ عليه جميع المحكوم بهم أو من حولهم الرئيس السابق إلى آلة فساد.
كان أمام هذا الجنرال الذي خدم البلاد لأربعين سنة- والذي يذكره الرأي العام بالخير والاحترام- أكثر من باب لدخول التاريخ من باب واسع، لكن حاجز “الأوامر العسكرية” قد يقف بقوة ضد اتخاذ موقف وطني يحتاجه البلد ويستحقه الظرف ويمليه الشرف العسكري وأخلاق المهنة.
كان أمام بهاي ولد غده وسلمان ولد إبراهيم وغيرهم من المسؤولين، حتى أولئك الذين ادعوا أن لديهم تسجيلات بالأوامر التي صدرت لهم من الرئيس السابق أن يسألوا أنفسهم هل تكفي الأوامر فقط للإجهاز على ثروة بلد وتنمية شعب، لا لشيئ سوى أن الأوامر صدرت.
لماذا تجاهل هؤلاء الإجرءات التضييقية الشديدة التي نفذها نظام الرئيس السابق خلال سنواته ضد التحويلات المالية وحركة التجارة، وسيف الضرائب الذي أرهق به رجال الأعمال.. لماذا في كل هذه الظروف قبلوا التحول إلى محفظة مالية للرجل الذي لم يستطع بعد أن يقدم جوابا  عن ماله هذا من أين اكتسبه..؟
لماذا لم يسأل أحد هؤلاء الأثرياء الذين  أحصروا  وأحضروا  للشهادة ضد الرئيس السابق، وهم لماذا قبلوا استلام ودائع وأموال مجهولة المصدر الشرعي، وهم يعلمون أن الزمن دوار وأن الدنيا لا تستقر على حال، هل كان القوم جميعا في سكرة الرهب أو الرغب أم أنهم بالفعل شركاء يحاولون الآن القفز من السفينة الغارقة تاركين ربانها الجامح بطبيعته يواجه مصيره وحيدا.
وزراء آخرون وشخصيات عديدة، كلهم كان جزء من المسار الذي يتهم فيه الرئيس السابق وكانت الحجة أنهم تلقوا الأوامر فقط، كانت الأوامر تصدر لهم ليرسلوا الغضب الأمني على مئات المتظاهرين، وليحولوا أجسامهم إلى خرائط للعنف، رغم أنهم يعرفون أن الأمر مجرم قانونيا، وبالأوامر أيضا يتم تدمير خيرات البلد ونهب ثرواته.
إنها أزمة ماحقة، تلك الأوامر والتوجيهات السامية التي تؤول في النهاية بصاحبها إلى مجرد شاهد يقف ليورط من أصدر له الأوامر ويتبرأ هو من كل شيئ، رغم أنه كان الوسيلة التي تم بها تنفيذ الأمر.

في سنة 2008، وعندما أكمل الرئيس السابق انقلابه العسكري، كان الرفض قويا داخل المؤسسة العسكرية، لكن الأوامر التي أصدر القادة الكبار أنهت الموجة وانسجم الجميع باستثناء قلة  مثل العقيد عمار ولد ابيبكر رحمه الله الذي رد على قائده  بعد أن بدأ يشرح للضباط دوافع وأهداف الانقلاب رد عمار قائلا” إن القانون يصنف ما حدث باعتباره تمردا عسكريا لا أكثر” ولج عمار التاريخ من أوسع أبوابه، ولكن آخرين اختاروا طريقا آخر.
حتى أولئك الذين استودعهم الرجل ملياراته المجهولة المصدر، لم يسألوا أنفسهم ولم يستفتوا من أين لهم وكيف سيتعاملون مع هذه الأموال الغريبة، فقط استيقظت القيم متأخرة جدا، عندما لم يعد هنالك خيار غير مواجهة العدالة.
في يوميات الإدارة في بلادنا كثير من الأوامر التي تجلب الفساد وتعززه وتنتهتك الحقوق وترسخ الظلم وتثقب زوارق نجاة البلد كل يوم، لكن شيئا اسمه رفض غير القانوني أوالاستعصام و الاستقالة يعتبر في بلادنا رابع العنقاء والغول والخلي الوفي.

وعلى أثر من مضى يسير اللاحق، فماذا لو وقف موظفون أكفاء ضد الأوامر المضللة واللاقانونية، ماذا لو انحازوا إلى العدالة التي تحميهم والقانون الذي يملي عليهم الوقوف معه والضمير الذي آن له أن يخرج من تيه الغياب إلى حالة الحضور والتعبير، عندما يتوقف المأمورون عن تنفيذ ما لا يقره شرع ولا قانون سيتوقف إصدار الأوامر القانونية، وبعيدا عن ذلك، ماذا سيقول المأمورون المذكورون إذا ما وقفوا أمام المحكمة الإلهية الكبرى يوم القيامة.

موقع الفكر