“سنيم” … قصة ذلك الجبل المتصدّع (الجزء الثاني فرص رافعة وعقبات خافضة)
بمناسبة الااضطراب الحاصل في أسعار الحديد، والتكلفة الباهظة للانتاج نعيد ما نشرناه سابقا عن مشاكل شركة سنيم
إعداد موقع الفكر
تزخر منطقة تيرس الزمور باحتياطات ضخمة من الحديد و كما ذكرنا في الجزء الأول توجد نوعيتان، هما: “الماغنتايت” magnétite (أكسيد الحديد الأسود). “الهيمتايت” hématite (أكسيد الحديد الثلاثي)، ويوجد طبيعيا وتكون نسبة الحديد فيه ما بين: (60% ، 65%، 68%). واحتياطاته قليلة حتى أوشكت على النضوب بحيث تستخرج بصعوبة و بكميات قليلة في ” لمهودات” و TO14″و ليست هي مستقبل “سنيم”.
مستقبل “سنيم” في استخراج “الماغنتايت” magnétite وفي علاجه؛ ورغم قلة التنقيب عنه فإن احتياطاته المكتشفة كبيرة جدا، إذ تقدر بمليارات الأطنان موزعة في عدة جبال منتشرة على دائرة حول مدينة ازويرات بقطر 40 كلم، وهذه الاحتياطات تكفي لعقود من الزمن و ذلك ما يجعل المنطقة صالحة لأن تضاهي منطقة (بيل بارا) في استراليا وهي من أكثر مناطق العالم إنتاجا للحديد.
وهناك عقبات رئيسية تحد من استغلال هذا الاحتياط، وأهم خطوة بالنسبة لعلاج “الماغنتايت”- وهو فقير فنسبة الحديد فيه لا تتجاوز(36%)- هي طحنه حتى يكون في حدود 1600 مايكرمتر،أي 1.6مم؛ لتسهل تصفيته؛ لأن ذرات الحديد و ذرات الشوائب تظل متشابكة حتى تسحق إلى هذا الحد، فإذا لم يتم طحنها جيدا لا يمكن استخراج الحديد منه لأنه ببساطة سيظل عالقا بالشوائب غير متحرر منها، لكن “المغنياتيت” يمتاز بكونه مغناطيسيا حيث يتم فصله عن طريق المغناطيس، فيحتفظ بذرات الحديد ويتخلص من الشوائب؛ فتكون ذرات الحديد نقية بنسبة تقارب (80%) و هذه ميزة في “المانغنياتيت”. و يمتاز أيضا بأن الحبيبات الموجودة منه في تيرس تعتبر كبيرة بالمقارنة بالموجود في الدول الأخرى؛ حيث لا يحتاج للطحن أكثر من 1600 مايكرو متر. هذا بالنسبة “الماغنتايت” حينما يطحن هذا الطحن يصفى بالمغناطيس بسهولة لكن هذا الحجم من ذرات الحديد عبارة عن غبار دقيق و التعامل معه بدون الماء صعب لأن الغبار يتطاير؛ و لذلك فإن الطريقة المعتمدة عالميا لمعالجته تتمثل في تعويمه بالمياه فيتحول إلى سائل، يتم التحكم فيه بالمياه داخل الأنابيب الطويلة، وهذا الغبار لا بد له من المياه حتى تكون تصفيته جيدة و حتى لا يلوث البيئة بالغبار المشبع ب”السيليس” القاتل. فغبار بهذا الحجم ويحتوي على كمية معتبرة من عنصر “السيليس” المضر بالصحة والمؤدي لمرض “السيليكوز” القاتل لأنه حين يدخل الرئة يتلف خلاياها وخلايا الجسم الأخرى عن طريق مكانيزم معقد وبطيء.
وأهم عقبة أمام الاستثمار في مجال الحديد بمنطقة تيرس الزمور هي عقبة انعدام الماء والكهرباء الرخيصة، وقد أجرت شركة “سنيم” دراسة لمشروع طموح لتصفية ماء البحر أو النهر وضخه إلى ازويرات وأجرت دراستين واحدة للنهر وأخرى للمحيط. بغرض جلب المياه عن طريق أنابيب و مضخات كبيرة حتى يصل تيرس. و هذا هو أهم ما يمكن إنجازه في سبيل تذليل العقبات أمام الاستثمار، لكن ليس بمقدور”سنيم” أن تنجز هذا المشروع الكبير لوحدها؛ لذلك قامت بالتعاون مع بعض شركائها مثل شركة “اغلينكور” شريكها في مشروع العوج و شركة “تازيازت” بشكل أقل، لكن المشروع توقف لسبب ما، و كان من المفترض أن مشروعا بهذا الحجم وهذه الأهمية تتبناه الدولة، وقد وقع شيء من ذلك أخيرا، فحاولت الحكومة تبني هذا المشروع أواخر حكم ولد عبد العزيز لكن تدخل الدولة لم يستمر طويلا، فهذا المشروع يلزم الحكومة إحياؤه من جديد؛ لأنه سيفتح آفاقا لصناعة الصُّلب في موريتانيا بالإضافة لتزويد مدن الشمال بالماء الشروب، و إذا لم ينجز هذا المشروع فسيبقى استغلال الثروة الحديدية دون المأمول.
العقبة الثانية أمام صناعة الحديد هي مشكلة الكهرباء ونقصد بصناعة الحديد صناعة الصُّلب، فالموجود في موريتانيا هو خام الحديد، وصناعة الصلب بأنواعه: المسطحات التي تستخدم في صناعة السيارات و صناعة الأجهزة المنزلية، و الأسياخ المستخدمة في صناعة الخرسانة المسلحة للبناء، فهذه الصناعات لا توجد في موريتانيا حتى الآن.
فشركة “سنيم” الآن تنتج الكهرباء ذاتيا بحرق “لفيول” و”البنزين” و هذا مكلف جدا إذ أنها تستورد البنزين مما يضعف قدرتها التنافسية بسبب ارتفاع التكلفة، وهذه المشكلة يمكن أن تحل جزئيا مع بشائر إنتاج الغاز بموريتانيا مستقبلا؛ لأنه مع استخدام الغاز الطبيعي في انتاج الكهرباء ستكون التكلفة أرخص.
فالمد الجاري لخطوط الجهد العالي لربط شبكات: ازويرات- نواكشوط – ونواذيبو يلزم أن تستفيد منه “سنيم” حتى تتوفر على طاقة كهربائية أرخص من تكلفة إنتاج الكهرباء حاليا، و ينبغي مع ذلك أن تحافظ على مولداتها الكهربائية احتياطيا حتى تكون شبكة الجهد العالي الكهربائية ناضجة؛ لأنه قد تحدث أعطال غير متوقعة؛ من أجل ذلك يلزم الاحتفاظ بالشبكة القديمة شبكة احتياطية؛ ولأنها أغلى تكلفة يجب أن تترك للضرورة والاستثناء.
فيلزم تذليل عقبتي الماء والكهرباء حتى تكون تكلفة إنتاج الحديد أقل؛ فتصبح شركة “سنيم” قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية، مما يمكنها من تحقيق أرباح أكبر.
العقبة الثالثة: المواصلات:
بالنسبة لهذه المشاريع التي جرى التنقيب عن بعضها، ومازال البعض الآخر منها يحتاج إلى التنقيب، وهي مشاريع “الماغنياتيت”. فقطارات “سنيم” صممت بقدرات استيعابية في حدود 12إلى 13مليون طن سنويا، و لم يجر تطوير لقدراتها الاستيعابية؛ مما يشكل عائقا قويا بالنسبة لتطوير إنتاج الحديد في موريتانيا؛ لذلك ينبغي العمل على إنشاء خط سكة حديد ثان؛ لأن خطا واحدا لا يكفي، مما يستدعي جلب استثمارات كبيرة، لكن يمكن انجاز هذا المشروع على مراحل، ومن أجل مضاعفة حركة القطارات على الطريق الوحيد يتم بناء وصلات جانبية جديدة للتبديل موزعة على طول الطريق ضعف العدد الحالي؛ مما يمكن من تقاطع القطارات الفارغة مع تلك المشحونة؛ وبدون شك فإن هذا الخيار أقل تكلفة من خيار إنشاء خط جديد.
ويلزم في هذا الصدد تحرير قطاع نقل المعادن (القطارات) من احتكار شركة “سنيم”، من خلال إنشاء شركة للقطارات تقدم خدماتها للجميع، فتقدم خدماتها للأفراد والشركات المستثمرة في موريتانيا والتي ستجلب إنتاجا جديدا، دون أن تظل شركة “سنيم” تحتكر نقل الخامات؛ لأن ذلك سيؤثر على الشركاء الآخرين في مجال استخراج الحديد، مع أنه من مصلحة شركة “سنيم” إدخال مستثمرين وشركاء جدد لشركة القطارات للاستفادة من خبراتهم و زيادة الطاقة الانتاجية، فبدلا من أن يظل إنتاجها السنوي في حدود 12 مليون طن، سيزيد إنتاجها حتى يصل 100 مليون طن سنويا. فشركة سنيم إلى الآن لم يتجاوز إنتاجها السنوي 12 إلى 13 مليون طن من خام الحديد.
فيتم تحرير القطارات وتصبح لديهم شركة مستقلة تتخصص في مجال القطارات، ويكون تركيزها على ميدانها، ولا مانع من أن تكون سنيم مساهمة فيها و تكون مالكة لأسهم منها ولديها بعض العاملين فيها، ذلك أن اليوم أصبح عصر تخصصات، فلا يتصور أن تكون شركة منجمية وفي الوقت ذاته شركة نقل، أو شركة صحية، بل لا بد أن تكون هناك شركات أخرى مهمتها نقل الخامات وإدارة القطارات، حتى يتم احترام التخصصات، ذلك أن فكرة الشركات الشمولية التي تقوم بكل المهمات أصبحت فكرة عتيقة.
هذه مشكلة جوهرية عند “سنيم” في عدم احترام التخصص؛ ورثتها من شركة “ميفرما” لأنها لا يمكن أن تكون شركة منجمية و تقوم بكل الأعمال فهذا لم يعد موجودا في العالم لأن كل مجال له متخصصون فيه، فالمعادن تختلف عن القطارات، فالشركة لا يمكن أن يكون لديها مستشفى تديره؛ لأنه يجب أن يتبع لشركة متخصصة.
هذه العقلية الشمولية التي بدأت بها “سنيم” كانت تصلح في ذلك الزمن لعدم وجود شركات تقوم بهذا الدور و الآن بعد أن أتيحت فكرة الشركات المتخصصة، فإما أن تنشئها “سنيم” بالتعاون مع شركات محلية أو دولية أو تستقدم شركة دولية يسند لها كل شيء في مجال معين، على أن يكون هناك احترام للتخصص و كل شركة تركز على مجالها فتبدع فيه و تتقن عملها، ف”سنيم” الآن تعمل في مجالات متعددة و هذا يؤثر سلبا على أدائها.
يجب على “سنيم” إنشاء شركات مستقلة متخصصة تملك “سنيم” جزء من رأس مالها وتشترك في مجلس إدارتها، ولذلك فإن معظم المهندسين الذين عملوا في قطارات “سنيم” هاجروا إلى السعودية لأن شركة القطارات مربوطة بشركة المعادن، والقطارات والمعادن مجالان مختلفان.
العقبة الرابعة: هدر الموارد
بالنسبة للهدر على مستوى شركة “سنيم”، يجب أن لا ننظر إلى الهدر العادي (استخدام السيارات – التساهل مع تنقيط ساعات العمال – المحروقات) فهذا لا يشكل شيئا بالنسبة للهدر الكبير الذي يقع في المعدات و المصانع و المشاريع، ومثال ذلك: مشكلة كانت مطروحة لقطاع المناجم، ومن أسبابها أن يكون المدير عديم الخبرة فيحاول نقص التكلفة بهدف الترشيد، فيتفادى شراء المعدات الثمينة مما يعود على شركة “سنيم” سلبا و يكلفها أكثر، فالمتفجرات مثلا وعجلات القطار من أكثر ما يستنزف ميزانية شركة “سنيم” بسبب غلاء أسعارهما، فالمتفجرات على ضربين: منها نوعية رخيصة تستخدم في الآبار الجافة، ونوعية أخرى ثمينة جدا تمتلك خاصية تجعلها لا تذوب في الماء. و بسبب سياسة الترشيد التي ذكرنا آنفا يقلل المسؤولون من اقتناء الآلات الثمينة، مما يضطر معه العاملون في الميدان إلى استخدام المتفجرات الرخيصة ؛ وهو ما يؤثر سلبا على الانتاج، فتصبح الآلات غير قادرة على أخذ الحجارة، وتبقى مطروحة على الطريقة فتعيق حركة الشاحنات و تسبب تلف العجلات وفساد المحركات، فاستخدام الكمية المناسبة من المتفجرات تعطيك أحجام حجارة مناسبة و من هنا تكون عملية الشحن والطحن و النقل من المحطم إلى الشحن الأخير في القطار كلها عمليات سلسة و لا تسبب أي أضرار أو أعطال في أي من المراحل، في حين أنه لو تم نقص كمية المتفجرات المطلوبة لتسبب ذلك في عديد المشاكل بالنسبة للمنجم، فتتكسر المعدات وتفسد، ويصير حجم الحجارة أكبر من حجم آلة الطحن؛ مما يتسبب في تعطيلها فتتوقف لساعات وأيام من أجل إخراج الحجارة العالقة داخلها، فترتفع تكلفة الانتاج.
فلو تمت مقارنة ما ينتج عن استخدام المتفجرات الرخيصة مقارنة بما تكلفه المتفجرات الثمينة لعلمنا أن شراء المتفجرات الرخيصة ليس من الترشيد في شيء، فهناك أمور في مجال الصناعات لا ينبغي الترشيد فيها؛ لأن الترشيد فيها هو الهدر بعينه، فلا يبذل فيها غير المطلوب لكن لا ينبغي أن يدفعنا الترشيد إلى أن نقصر في المطلوب، فهذا موطن من مواطن الهدر في شركة “سنيم”، نعني الترشيد في غير محله، فيتم الترشيد بسبب قرار يتم فرضه من غير أهل الخبرة، مثل أن تكون بعض المعدات تتطلب شراء قطع غيار من نوع معين فيفرضون على من يتولى الشراء شراء قطع غيار أخرى يمكن أن تفيد في الحال لكنه يفسد الماكنات في المستقبل فتتوقف عن العمل أشهرا أو أسابيع تنتظر الإصلاح، هذا هو الهدر الحقيقي، وهو إشكال مطروح في شركة “سنيم” خاصة في الآونة الأخيرة أيام انخفاض أسعار الحديد، حيث ألجأهم ذلك إلى التقشف والترشيد، لكنه ترشيد في غير محله، فرواتب العمال وعلاواتهم لا تمثل شيئا بالنسبة لما يتم صرفه في المعدات، وما يفسد من الموارد في خسارة المعدات وفي المشاريع الكبيرة هو ما ينبغي أن يكون مجال ترشيد، وهو الذي يقع فيه الهدر، فيلزم كبار المسؤولين الانتباه له، أما الأمور الأخرى فالترشيد فيها ضرره أقرب من نفعه وليس أولوية حتى يقصد بالترشيد.
خلاصة القول أن لدى سنيم اربع عقبات رئيسية:
1- الماء لتصفية الحديد و هذا يحتاج تفعيل مشروع أنابيب لنقل الماء المُحلى (المصفى من البحر)
2- الكهرباء: و هي الآن قيد الانجاز لكنها تحتاج إرادة قوية من الدولة من أجل إعطائها الأولوية.
3- المواصلات: يحتاج من أجل زيادة طاقتها الانتاجية تطوير بنيتها التحتية في مجال النقل
4- الهدر.
مشاريع تطوير إنتاج الحديد
تملك سنيم استراتيجية بالنسبة ل ” لكلابة” الثانية التي تحوي “الماغنتايت” فهي لا تملك الامكانيات من أجل استثمارها في التنقيب حتى تتأكد من الاحتياطات الموجودة و لا تملك إمكانية إنشاء مصانع؛ لذلك فتحت المجال للشركات الأجنبية لكنها اشرطت أن الشراكة تكون مناصفة (50% – 50%) و بالفعل دخلت في شراكات و كانت جيدة مثل آسكاف و كلب العوج، و كذلك دخلوا في مشروع “أطوماي” مع الشركة السعودية “سابك” (2009-2019م.).
هذه مشاريع كبيرة و لنعطي صورة أوضح عنها، فمشروع أطوماي مثلا لو تم إنجازه سيكون إنتاجه يعادل إنتاج سنيم الحالي مما يعني مضاعفة إنتاج شركة سنيم؛ لأنه كان من المفترض أن ينتج هذا المشروع 10 مليون طن من خامات الحديد الأحسن جودة في العالم من مكورات الحديد و هذه مرحلة ثانية لا تملكها “سنيم”، ف “سنيم” حاليا لا تبيع إلا دقيق الحديد، في حين أن هذه المرحلة من التصنيع يتم فيها أخذ الحديد و يكور في آلات متخصصة حتى يكون جاهزا للتذويب مما يساهم في رفع قيمته بنسبة معتبرة.
فهذا النوع من الشراكات بإمكانه حل الكثير من المشاكل لشركة “سنيم”؛ فهو يمدها بخبرة جديدة و يفتح لها آفاقا جديدة مثل الانتقال لتكوير الحديد و قد سبق ل “سنيم” أن أجرت دراسات للتكوير لكنها لم تنجح في الانتقال إلى مرحلة تكوير الحديد حيث سيعطيها سعرا أحسن؛ لأنه سيكون شبه مصنع و يفتح أمامها مجالا آخر في مجال صناعة الصلب؛ فإذا اكتشف الغاز في “نواذيبو” أو استجلب له من مشروع السلحفاة عن طريق الأنابيب فستتمكن “سنيم” من إنتاج الصلب محليا، وهذا يفترض أنه هو الهدف النهائي للشركة حيث يتطور عملها من إنتاج الخام وحتى المنتج النهائي (الصلب)، فتحقق الشركة اكتفاء ذاتيا من حديد التسليح وتصدره للخارج منتجا نهائيا.
فمثل هذه المشاريع أهم بالنسبة لشركة “سنيم” من مضاعفة الانتاج؛ ذلك أنها ستكتسب من خلالها خبرات جديدة وستستفيد شركاء ومستثمرين جدد يساعدونها و خصوصا أن هناك شركة حديد التابعة لشركة “سابك” السعودية على استعداد للشراكة في هذا المجال، ومستعدة لشراء المنتج كاملا، فلو أن هذا المشروع مثلا ينتج 10 مليون طن سنويا فإن الشركة السعودية مستعدة لشرائها كلها.
فهذا المشروع استراتيجي جدا و أرباحه كبيرة و أثبتت الدراسات جدوائيته اقتصاديا و فنيا لكن المشروع ما زال متوقفا في انتظار التمويل، ويحتاج “دفعة قوية” من الحكومة لكن الحكومة لا تمتلك من الامكانيات ما يكفي لدعمه، وربما تفتقد لرؤية واضحة في هذا المجال.
وللعلم فإن الشراكة مع الشركة السعودية لاتزال قائمة فقد تم إنشاء شركة سعودية موريتانية للمناجم و الصلب (تكامل)، و مقرها في نواذيبو و لديها مكاتب في مدينة ازويرات و توظف بعض العمالة الموريتانية من ضمنهم مهندسون مكتتبون و هي صاحبة المشروع و قامت بالتنقيب وفق معايير دولية مما مكن من إثبات وجود احتياطات تقدر بمليار طن من “الماغنتايت” وفق المعايير الدولية (Jork standard) و التي لا تلتزم بها شركة “سنيم” في الأصل لكن الشراكة مع السعوديين اقتضت الالتزام بالمعايير الدولية المطلوبة في التنقيب عن “الماغنتايت”؛ من أجل تسهيل الحصول على التمويلات اللازمة؛ إذ لا يمكن الحصول على تمويل دراسة إلا إذا كانت وفق معايير دولية، وآخر الآخبار عن هذا المشروع أنه مازال ينتظر الحصول على التمويل ويحتاجون إلى إكمال بعض الدراسات الاضافية و التأكد من بعض الأمور المتعلقة بالمشروع.
أما بالنسبة للمشاريع المشابهة فإنه إذا لم يتم فك ارتباط سنيم بالأمور السياسية فلن يصلح أي شيء، فقد ضاع الوقت و الجهد و المال بسبب ذلك الارتباط و التدخلات في الحصول على المشاريع و تأخير المشاريع تأخيرا غير مبرر بسبب أشياء تافهة… مثل حصول فلان على شيء هنا وتوظيف فلان هناك، حتى أن الشريك السعودي تضايق من هذه السياسة، و لحسن الحظ فإنه انتظر حتى اكتملت الدراسة.
فمسألة فك الارتباط بين السياسة والقضايا الفنية البحتة ضروري حتى تسير المشاريع بطريقة سلسة، وتخضع المناقصات لمسطرة واضحة بعيدا عن التدخلات.
أما إذا بقي التشابك بين السياسة والأمور الفنية فإن ذلك سيسبب ضياعا لوقت كثير… ولشركة “سنيم” تجربة مع ضياع المشاريع مثل “كلب الغين” (الكلب2) الذي قيل ساعتها إنه أكبر مشروع صناعي يتم إنجازه في تاريخ البلاد وأحيط بجميع عوامل النجاح من حيث الهندسة وإشراك مصنعين ومنتجي التجهيزات الذين يتمتعون بسمعة عالمية ممتازة كما استفاد من ثلاثة عقود من تجربة “سنيم” في إغناء خامات الحديد، رغم كل ذلك فقد كان كارثيا بكل المقاييس فرغم ضخامة التمويلات الخاصة به حيث وصلت تكلفته الإجمالية إلى ( 924 مليون دولارا) ورغم ذلك فعند تركيب المصنع لم يؤت الثمار المرجوة منه بسبب النقص الحاصل في الدراسة و كذلك بسب المناقصات التي لم تسر بطريقة سليمة.
و يزداد الأسف إذا علمنا أن شركة “سنيم” لديها خبرات كبيرة في مجال الحديد، حتى إن بعض أطرها يعتبر مرجعية دولية في تصفية “الماغنتايت” و لذلك فإن الكثير من الشركات الدولية ترجع لبعض أطر “سنيم” في الكثير من الأسئلة الحيرى في هذا المجال.
وباستطاعة الشركة الاستفادة من خبرة أبنائها خاصة أن الأيام أثبتت أنهم أهل جدارة و اقتدار، فهم من تغلبوا على مشاكل مصانع “سنيم” بخبراتهم الذاتية، حتى إن بعض مصنعي أجهزة التصفية والطحن استفادوا من تجربة “سنيم” و غيروا منتجاتهم على أساس تجربتهم مع شركة “سنيم” وبناء على اقتراحات مهندسيها، فهؤلاء الخبراء لن يكون لخبرتهم و تجربتهم قيمة في ظل التدخلات مما يحد من قدراتهم، فلا يستمع لنصحهم و لا تلبى طلباتهم المتعلقة بمتطلبات العمل.
أما فيما يتعلق بمشروع الكلب2 فإن نتائجه واضحة للعيان، فإنتاجه إلى الآن لم يصل إلى نصف ما كان متوقعا منه رغم أنه يعمل منذ أربع سنوات، كل ما تم أنه فرض شراء من شراكات معينة من أجل استفادة أطراف معينة.
التكوير
بالنسبة للمنتجات الحالية لشركة سنيم من “الماغنتايت” المستخرجة من “كلب الغين” يمكن تكويرها، لكنها تحتاج إلى طحن إضافي، حيث أنه في الوقت الحالي يصل إلى 1.6ملم. في حين أنه ينبغي أن يكون في المجال: (0.45-0.75 ملم) من أجل أن يتكور، فالتكوير مرحلة ضرورية من أجل الوصول لصناعة الصلب، فخامات الحديد الموجودة في العالم توجد على شكل أكاسيد أي حديد مرتبط بالأكسجين، وأول خطوة في صناعة الصلب تتمثل في الاختزال، وهي فصل الأوكسجين والحديد، وتوجد طريقتين لذلك: إحداهما الطريقة التقليدية: يتم من خلالها إذابة خام الحديد عن طريق الفحم الحجري، فيبقى الحديد صافيا وينتج ثاني أكسيد الكربون.
الطريقة الثانية: و تعرف بالأفران العالية و تنتشر في الصين لكنها مضرة بسبب كثرة تلويثها للبيئة، لذلك أصبح استخدامها في تناقص.
أما الطريقة الشائعة و المستخدمة اليوم فهي حرقه عن طريق الغاز الطبيعي بدلا من الفحم الحجري المسخن و الأفران الكهربائية و لأن الطريقة الأخيرة- الأكثر استخداما- تتطلب الغاز الطبيعي الذي يتوقع توفره في 2022م. وحينها إذا عملت الشركة التكوير بدأ إنتاج الغاز الطبيعي فيمكننا أن ننتج الصلب محليا.