صحيفة عربية تتناول رسائل زيارة الرئيس الجزائري المرتقبة لموريتانيا

عربي21/ يؤدي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الاثنين القادم، زيارة لموريتانيا هي الأولى لرئيس جزائري منذ نحو 37 سنة.

وكانت آخر زيارة لرئيس جزائري لموريتانيا سنة 1987، حين زار الرئيس الراحل، الشاذلي بن جديد، مدينة نواذيبو الموريتانية على شاطئ المحيط الأطلسي لتدشين مصفاة نفط بها (مساعدة من الجزائر) وذلك في عهد الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية ولد الطايع.

وعلى الرغم من أن زيارة تبون المرتقبة لنواكشوط تأتي في إطار مشاركته في مؤتمر حول “التعليم وتشغيل الشباب” إلا أن متابعين يرون أن هذه الزيارة تحمل رسائل وتعكس حجم الاهتمام الجزائري بالشراكة مع موريتانيا.

رسائل الزيارة
يرى المحلل السياسي الموريتاني أحمد محمد فال، أن هذه الزيارة التي يؤديها عبد المجيد تبون إلى نواكشوط، ينظر إليها على أنها زيارة تاريخية.

ولفت في تصريح لـ”عربي21″ إلى أن الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني زار الجزائر نحو خمس مرات منذ وصوله السلطة، فيما لم يزر رئيس جزائري موريتانيا منذ العام 1987.

وأضاف: “أبرز رسائل هذه الزيارة التأكيد على أن الجزائر تطمح لبناء علاقات استراتيجية مع موريتانيا، في شتى المجالات”.

وأشار ولد محمد فال، إلى أن موريتانيا والجزائر بلدان جاران و يواجهان نفس التحديات بما فيها التحديات الأمنية، لافتا إلى أن المسؤولين في البلدين باتوا على قناعة خلال السنوات الأخيرة بأن التنسيق والتحالف الاستراتيجي بين البلدين أصبح ضرورة.

وأوضح ولد محمد فال، أن زيارة تبون هذه تكتسي طابعا إقليميا مهما، نظرا لموقع البلدين ودورهما في أفريقيا ومنطقة الساحل بشكل الخاص التي تعتبر من بين المناطق الإفريقية التي تتصارع فيها الأجندات الدولية.

تنسيق إقليمي

وسبقت زيارة تبون المرتقبة زيارة أداها قائد أركان الجيش الجزائري الفريق أول السعيد شنقريحة، لنواكشوط تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلن في ختامها أن البلدين يخططان لتسيير دوريات مشتركة على طول الحدود بينهما.

وأكد البلدان خلال الزيارة على عزمها “النهوض بمستوى التعاون العسكري الثنائي وإكسابه آفاقا جديدة، خاصة فيما يتعلق بشراكة البلدين في مجال مكافحة التطرف العنيف والجريمة المنظمة التي تشهدها منطقة الساحل”.

وفي هذا السياق، يؤكد المحلل السياسي أحمد محمد فال، أن البلدين باتا مجبرين على تنسيق التعاون بينهما رغم تباين مواقفهما في العديد من القضايا الإقليمية، نظرا لحجم التوترات الأمنية بالقرب من حدودهما.

وأوضح أن الجزائر تبدو أقرب للحلف الروسي الصيني في المنطقة، فيما طورت موريتانيا علاقاتها مع دول حلف شمال الأطلسي “الناتو”.

وتابع: “لكن رغم هذا التباين فإن المواجهات العنيفة التي تندلع من حين لآخر بين الجيش المالي مدعوما بقوات فاغنر الروسية من جهة، والمسلحين الأزواديين من جهة أخرى، بالقرب من حدود موريتانيا والجزائر، يفرض على البلدين التنسيق بشكل مكثف في القضايا الإقليمية، لتفادي أي مخاطر قد تؤثر على استقرارهما”.

وأشار إلى أن هذه الزيارة ستتابع بشكل كبير في العديد من العواصم “ستتابع في العواصم الأوروبية التي ترى في موريتانيا شريكا رئيسا لمواجهة التمدد الروسي في المنطقة، كما ستتابع في موسكو وبيجين، اللتان تنظران للجزائر على أنها شريك رئيسي يعول عليه في إطار الصراع الغربي الروسي الصيني الذي تعبر منطقة الساحل ميدانا له”.

شراكة اقتصادية
تطورت العلاقات الاقتصادية الموريتانية الجزائرية خلال السنوات الثلاثة الأخيرة بشكل كبير، حيث باتت الجزائر الشريك الإفريقي الأول لموريتانيا.

ووفق أرقام رسمية فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 414 مليون دولار في 2023، مقارنة بـ 297 مليون دولار في 2022.

وفي هذا الإطار يقول المحلل السياسي الموريتاني سيدي محمد ولد بلعمش، إن علاقات البلدين تشهد زخما متصاعدا “حيث تم إطلاق مشاريع عديدة تضع الأساس لبنية تحتية مشتركة تمهد لاستثمارات تقود إلى تكامل اقتصادي كبير”.

وأشار ولد بلعمش، في تصريح لـ”عربي21″ إلى أن من بين هذه المشاريع افتتاح فرع للبنك الجزائري في موريتانيا، وتدشين أو معبر حدودي يربط البلدين.

ولفت إلى أنه في العام الماضي أعطى رئيسا البلدين إشارة بدء العمل في طريق برية تربط بين مدينة الزويرات الموريتانية وتيندوف الجزائرية، ويبلغ طوله أكثر من 700 كلم.

وتابع: “هذا الزخم في علاقات البلدين، وحجم هذه المشاريع يتطلب أيضا تنسيقا أمنيا وإقليميا، وهذا ما يسعى إليه البلدان، لذلك أرى أن الزيارة المقررة للرئيس الجزائري إلى أنواكشوط تهدف إلى إرسال رسالة مفادها أن الجزائر حريصة على أن يستمر هذا الزخم في العلاقات ويتطور”.

وترتبط الجارتان بحدود برية بطول 460 كلم، وتنشط على حدود البلدين العديد من التنظيمات المسلحة، كما يرتبط البلدان بحدود مع بلدان الساحل الإفريقي التي تعاني أزمات واضطرابات أمنية.

ويخشى البلدان أن تتسبب الأزمات في منطقة الساحل الإفريقي إلى تدفق المزيد من اللاجئين، حيث أعلن وزير الدفاع الموريتاني حننه ولد سيدي، في تصريحات صحفية مؤخرا أن تدفق المهاجرين غير النظاميين واللاجئين إلى بلاده وصل “عتبة حرجة”.

وتستضيف موريتانيا حاليا 400 ألف شاب مهاجر من بلدان الساحل الإفريقي وحدها، وهو ما يمثل 10 بالمئة من سكان موريتانيا البالغ نحو 5 ملايين نسمة، وفق معطيات رسمية موريتانية.

موريتانيا تمسك العصا من الوسط
وتحاول موريتانيا بشكل مستمر أن تمسك العصا من الوسط بخصوص الصراع في الصحراء الذي يثير التوتر بين جارتيها المغرب والجزائر.

وتؤكد موريتانيا من حين لآخر أن موقفها من هذا الصراع هو “الحياد الإيجابي الهادف إلى العمل من أجل تفادي أي تصعيد بالمنطقة”.

وبدأت قضية الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول النزاع بين المغرب و”البوليساريو” من جهة، وبين هذه الأخيرة وموريتانيا من جهة ثانية إلى نزاع مسلح، استمر حتى عام 1979 مع موريتانا، التي انسحبت من إقليم وادي الذهب (جنوب إقليم الصحراء) قبل أن تدخل إليه القوات المغربية، وتوقف مع المغرب عام 1991، بعد توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.

وتصر المغرب على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل حكماً ذاتيا موسعا تحت سيادتها، بينما تطالب “البوليساريو” بتنظيم استفتاء لتقرير مصير المنطقة، وهو طرح تدعمه الجزائر.