زيارات الرئيس الميدانية: هل هي بداية مسار جدي؟/ محمد ولد المنير
الزيارات الميدانية التي يقوم بها رئيس الجمهورية للوقوف على مشاريع قيد الإنجاز أو للاطلاع على تسيير المستشفيات أمر ممتاز. فهي على الأقل تظهر أن رئيس الدولة أدرك أخيرا أن الشعب بحاجة إلى رؤية أمور ملموسة.
فمن الجيد جدا أن يسعى الرئيس إلى متابعة تقديم الخدمات العامة وأن يقوم بزيارات غير معلنة للقاء المواطنين وجس نبض الشارع. مثل هذا يعطي انطباعا عن رئيس حيوي يسعى إلى غرس ديناميكية فاضلة، من خلال النزول إلى الميدان للاطمئنان والشرح والإقناع.
صورة الرئيس متدهورة إلى حد كبير
لا يخفى على أحد أن المواطنين قد أصيبوا بإحباط شديد، حصرهم في دائرة من التشاؤم والتشكيك، وجعلهم غير مقتنعين بقدرة الرئيس على وضع البلاد على المسار الصحيح، وبأنه ليس رجل الدولة الذي يتطلبه الوضع المقلق الذي تعيشه البلاد.
ومن الواضح أنه يُنظر إليه على أنه رئيس يتأقلم مع ما يجد أمامه، يفضل نوعا من الإجماع الناعم، دون أن يجازف أو أن يسعى إلى تغيير الوضع القائم. طموحه هو طمأنة النافذين وأن يحظى باحترام الوجهاء والنخب الفاسدة، الذين يعتقد أنهم يملكون مفتاح بقائه في السلطة.
فبالنسبة للموريتانيين، هو الرئيس الذي يثق بالفاسدين، ويعيد تأهيلهم، رغم شبهات سوء الإدارة والاختلاس، وهو ما يتناقض مع تصريحاته بخصوص مكافحة الفساد. بل إن منهم من كلفه بتعزيز النزاهة ومحاربة الفساد، وأوكل إليه تصميم وتنفيذ مشاريع تنموية حيوية.
وأخيراً، يرى الرأي العام أن الرئيس يفتقر إلى الرؤية والإرادة والمبادرة والصرامة، وأن اهتمامه المفاجىء بالزيارات الميدانية مؤشر على اهتمامه بإعادة انتخابه، وليس بخدمة قضية التغيير.
ضرورة تبني مقاربة جديدة
إن الأمل في تغيير النظرة السلبية للرئيس من طرف الموريتانيين، الذين، على مدى أربع سنوات، لم يروا غير النيات الحسنة، يتطلب أكثر بكثير من الزيارات الميدانية. فالتغيير يتطلب أكثر من هذه الخطوات الصغيرة، والزيارات غير المعلنة هي ترف بالنسبة لمجتمع وصل إلى نقطة الانهيار. فالموريتانيون يطمحون إلى تغيير جذري يشمل كافة المجالات، خاصة الحكامة الرشيدة وحسن تسيير الموارد والثروات، كما يستجيب لتطلعات المواطنين الملحة، ويعتني بالفئات المحرومة والأكثر هشاشة. الشعب بحاجة إلى المزيد من المشاريع التنموية الكبرى، ولكن أيضا إلى القطيعة مع الظلم، والغبن، والفساد، والمفسدين.
إن الأمر يتطلب تحركا قويا ومقاربة مبتكرة : أسلوب جديد في التحليل والتفكير في مشاكل البلاد واقتراح الحلول التي تتجاوز الأساليب التقليدية. كما يتعين خلق ديناميكية فعالة، من خلال الإعلان عن مشاريع هيكلية كبرى وإصلاحات طموحة، مع اتخاذ تدابير رائدة وإعلانات قوية، دون أن ننسى تجديد القيادة الإدارية الضرورية لتنفيذ الإصلاحات. إن البدء بالإصلاح وتعبئة الموارد اللازمة شيء، واختيار الأشخاص المناسبين لتنفيذ هذا التغيير وتجسيده شيء آخر.
ومن الواضح أن الإصلاحات المطلوبة لوضع البلاد على المسار الصحيح لا تقتصر على تغيير الجهاز الإداري، وهو ليس الحل المعجزة للمشاكل التي تواجه بلدنا. فيجب على الدولة، التي تواجه أيضا تحديات هيكلية ومشاكل إدارية، أن تتبنى نهجا أكثر شمولية، والذي يضم بالتأكيد تغيير موظفي الإدارة، لكنه لا يقتصر على ذلك.
إذ يجب تغيير معايير الاختيار ومنهجية اكتتاب الموظفين، وكذلك إبعاد المفسدين الذين تحوم حولهم شبهات فساد جسيمة. وبما أن هذا النظام لا يسعى إلى التخلص منهم، لأن الرئيس غير قادر على القيام بذلك، يجب على الأقل منعهم من إفشال الإصلاحات، من خلال الحد من قدرتهم على التسبب في الضرر، لأنه من المرجح أن يفسدوا الرغبة في التغيير، إذا تم الإبقاء عليهم في مناصبهم. وفي هذاالسياق، لم لا يتم تعيينهم في مناصب سفراء في بلدان بعيدة أو في وظائف فخرية؟
وأخيرا، لا يمكن أن تقتصر هذه الزيارات الميدانية على الدعاية وإعلان النيات. لا بد أن تتبعها قرارات صارمة. فيجب مساءلة ومعاقبة المديرين الذين تأكد إهمالهم، بدءا بمسؤولي المشاريع الذين لم يحققوا شيئا على أرض الواقع، خاصة أولئك الذين يشغلون مناصبهم من عدة سنوات.
كذلك، لا بد من تعبئة كل هذا الجيش من المستشارين الذين يرابطون في الرئاسة دون معرفة مهامهم، لمراقبة الملفات ومتابعتها على أسس أهداف ومؤشرات دقيقة، تضع الرئيس في الصورة الحقيقية و تمكنه من العمل على أساس ذلك.
فقط بعد كل هذه الجهود، سيُقدر الموريتانيون الزيارات الميدانية التي يقوم بها الرئيس وسيبدأون بتصديقها والاقتناع بها.