عصرنة المُنْشآت أَمْ عصرنة العقليات ؟ / أحمدو ولد الشيخ ولد أحمدو
تَمَلكني الفضول يومًا وأنا أجُوب طريق الأمل ناحية الحيّ الإداري إلى وسط العاصمة أنواكشوط حيث تقوم الدولة بتأهيلها، كان من فُضُولي أن أتساءل عن مدى جدوائية وأولوية هذا المشروع مع مقارنته ببدائل أخرى..أيهما أجدى ..تشييد عاصمة جديدة بمواصفات حديثة أم تأهيل هذه المتهالكة ؟ وهل نمتلك رصيدا من السلوك المدني يمكن أن يتأقلم مع هذا التّطوير ويتعايش معه؟ لايمكن أن ننتقص من هذا المجهود المشكور والذى يؤكد على أنّ عاصمتنا تعاني إختلالات بنيوية عميقة مقارنة ببعض عواصم العالم..فهل تَشَكَل الوعي بضرورة الإهتمام بهذه المدينة التى تحتضن أكثر من ثلث سكان الوطن ؟هل الخمسون مليار المرصودةلهذا الهدف كافية أَمْ أَنَّهُ نَفْخٌ فى بَالُونَة الفساد ،،ستنتعش منه جهات دَأَبَت على إستغلال الظّرف الزّماني والمكاني وإستعطاف الخَيِّرِين من أجل تسويغ المشروعات الهادفة المُلحة كنوع من أنواع إستنزاف الثروة فى غير طائل؟ إِنّ تحويل العاصمة إلى أخرى ليس بدعة خصوصاً إذا كانت العوامل الجيولوجية والديموغرافية من المُحفزات الضّاغطة ،مَخافة الزلازل والفيضانات والتّلوث البيئي وسوء الصّرف الصّحي والكثافة السكانية والعوامل الجيوسياسية مثل الغزو الأجنبي إلى غير ذلك مِمّا لاداعي لِتَبيينه فى هذا المقال وهناك دول غيّرت عواصمها عندما كان ذلك ضرورياً نذكر منها فى التاريخ الحديث:نيجيريا-ميانمار-البرازيل-كازاخستان-تنزانيا-ساحل العاج..كما أنّ الحكومة المصرية قرّرت سنة 2016 بناء عاصمة إدارية جديدة فى ضواحي القاهرة للتخفيف من شدة الإزدحام!!! إنّ مُنحنى السلوك المدنى عندنا فى هبوط وكذلك مؤشرات التّحضر متدنية ،،ضِف الى ذلك منظومة الأخلاق والقيم المنتكسة ونَرْتَهِن غالبا إلى عقلية البداوة وأنماط ممارساتها مُتجلية فى سلوكنا حيث الأوساخ وأكوام القمامة والسيارات المتهالكة وحتى الجِيَف وغيرها..ناهيك عن التخطيط العمراني العشوائي والساحات العمومية المحجوزة (مَكْزُورَة) وغياب المنتزهات والغطاء النباتي والأشجار الضرورية للتّخفيف من التلوث البيئي..زِد على ذلك النّمو الأفقى السريع وإنعدام منظومة صرف فَعّالة ..كل ذلك يشكل تحديًا كبيراً لمشروع تأهيل العاصمة حيث أنّ السلوك يعتبر صمّام الأمان للنّهوض بهذا البلد الذى يستحق علينا الكثير ..من هذا المنظور قد يكون تشييد عاصمة بديلة بمعايير حديثة ،أكثر واقعية وسيزيد من تِعداد المدن الكبيرة التى تُعَدّ بالأصابع عندنا والمطلوب من الجهات الرسمية فقط الإشراف وشق الطرق وأنظمة الصرف الصحي والجسور والموانئ والمرافق العامة وتوزيع القطع الأرضية أو بيعها بأثمان لائقة لكل من يرغب فى التّوطن فى الحيّ الجديد..هذا المَنْحَى سيخلق ثورة عمرانية ينتعش منها القطاع العام والخاص ونحوز بذلك على صرح عمراني جديد وتبقى أنواكشوط القديمة فى تَعَافٍ تام من الضغوطات والإزدحام ممّا قد يُسَهِّل إعادة تأهيلها بمبالغ أقل بكثير من المليارات السابقة !!!
وخِتامًا ،قد لا يكون هذا النّوع من الأفكار مُسْتَسَاغًا عند البعض ،إِذْ أنّ إنشاء عاصمة جديدة سيحول مسار التنمية فى نظرهم إلى فضاءات جديدة لا يملكون إحتكار أسواقها ولا يحوزون على المراكز الحيوية وشرايين الإقتصاد فيها وغير ذلك من الإمتيازات التى لا تعني شيئا فى حسابات النهوض بالدولة والتضحيات اللازمة لذلك للخروج من تِيهِ التّخلف والتأخر واكتساب مدينة عصرية نتركها للأجيال القادمة التى تكاد تنسى فى كل المقاربات التنموية المعتمدة فى هذه البلاد.