تحديات التضخم في عدد الأحزاب وضرورة تحسين الحكامة السياسية

أكد وزير الداخلية محمد أحمد ولد محمد الأمين أن تضخم عدد الأحزاب تكتنفه انعكاسات إجرائية وتنظيمية، وينجم عنه تبديد لجهود الفاعلين السياسيين وللجهد العمومي الداعم للأحزاب والمؤطر لها، ويعقد العمليات الانتخابية.

الوزير أضاف في كلمته خلال إشرافه على إطلاق الأيام التشاورية الوطنية حول التحضير التشاركي للانتخابات الرئاسية وتطوير الحكامة السياسية، مساء أمس، أن ما أسماه التضخم المفرط في عدد الأحزاب “لايفضي بالضرورة إلى التعددية الديمقراطية السوية التى تعني توفر وتنوع ما تتقدم به الأحزاب من مشروعات مجتمعية موضوعية تمنح خيارات متعددة للمواطنين”.

نص الخطاب:

“بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على النبي الكريم
كلمة معالي وزير الداخلية واللامركزية، فى افتتاح  ورشةِ الأيام الوطنية للتشاور
حول التحضير التشاركي للانتخابات الرئاسية ، وتطوير الحكامة السياسية
ـ السيد رئيس مؤسسة المعارضة الديمقراطية؛
ـ السادة و السيدات الوزراء؛
ـ السيد مفوض حقوق الإنسان و العملِ الإنساني والعلاقاتِ مع المجتمع المدني؛
ـ السادة و السيدة المستشارون بالوزارة الأولى؛
ـ السيد رئيس السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية؛
ـ السيدة الأمينة العامة للمجلس الدستوري؛
ـ السيد الأمين العام لوزارة الداخلية واللامركزية؛
ـ السادة الولاة؛
ـ السيدة رئيسة المجلس الجهوي لانواكشوط؛
ـ السيد رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات؛
ـ السادة والسيدات الوزراء السابقون؛
ـ السادة و السيدات رؤساء الأحزاب؛
ـ السيد رئيس رابطة العمد الموريتانيين؛
ـ السادة والسيدات ممثلو المركزيات النقابية و النقابات المهنية:
ـ السادة و السيدات ممثلو وممثلات هيئات المجتمع المدني؛
ـ السادة الخبراء؛
ـ السادة الصحفيون؛
ـ أيها الجمع الكريم؛
يطيب لي في مُستهَل ورشةِ الأيام الوطنية للتشاور حول التحضير التشاركي للانتخابات الرئاسية ، وتطوير الحكامة السياسية، التي نلتقي في إطار إطلاق فعالياتها اليوم، أن أباركَ لكم ولسائرِ المسلمين إطلالةَ شهر رمضان المبارك، سائلا المولى القديرَ أن يبلّغنا إياه، وأن يُوفّقنا لصيامِه و قيامه، وأن يتقبّل منا صالحَ الأعمال.
ـ السادة والسيدات:
يأتي لقاؤُنا اليوم تجسيدا لرؤية فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الذى تعهّدَ في برنامجه المجتمعي، بتهيئة الظروفِ المناسبةِ لخلقِ مناخٍ سياسي هادئ، توخّياً للتقارُب فيما بين الفاعلين السياسيين، بشأن المواقف من كبريات القضايا الوطنية ، بشكلٍ يُعزّز اللُّحمة الاجتماعية ويعضَد الإجماع الوطني، ويكرَس قيّمَ التعددية الديمقراطية.
ويستمدُّ هذا النهجُ قوته، من قناعةِ فخامةِ رئيس الجمهورية الراسخةِ، بأنّ موريتانيا تحتاجُ إلى جميع قِواها الحيةِ، حيث ما فتِئَ يُؤكّد أنه لن يَدّخِرَ أيَّ جهد في سبيل أن يكون التشاور سُنّة متّبعةً، بشكل دائم.
وهكذا، فقد انطلق مبكرا، مسلسل التشاورُ مع الطيْف السياسي ، بدءً باللقاءاتِ المنتظمةِ فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني برؤساءِ الأحزاب وبالفاعلين السياسيين، وقادةِ الرأي، مروراً بإجراءِ تشاورٍ سياسي شاملٍ، بين الحكومة وأحزابِ الأغلبية و المعارضة ، بشأن التحضبر التشاركي والتوافقي لانتخاباتٍ تشريعيةٍ و جهوية وبلديةٍ ، شفافةٍ وذاتِ مصداقية، ولأول مرة، تم توقيع اتفاق سياسي بين الحكومةِ و جميع الأحزاب أغلبيةً ومعارَضة،
السادة والسيدات:
تدخل ورشتُنا اليوم، في إطار تلك المشاورات الدائمة، وهي نهجُ تشاركيٌّ، مُوسّع و مستمر، مع جميع الأطراف: لجنةً مستقلةً للانتخابات و  سلطةً عليا  للصحافة و السمعيات البصرية، وأحزابا سياسية، ونقابات ومجتمعا مدنيا، وشخصيات مرجعية، و ينبغى أن نسهَر جميعا على تطويرِ هذه المقاربةِ وتحسينِ آلياتِها، وعلى مُوّاءمتها، مع جوّ الإجْماع الوطني غيرِ المسبوقِ الذي تعيشه البلاد، في أُفُقِ انتخابات رئاسيةٍ باتتْ على الأبواب، وذلك بهدف تعزيزِ الشفافية، و تحسينِ آليةِ تسيير الأحزاب.
السادة والسيدات:
إن حرصَنا على صيانةِ الحريات الفردية والجماعية ، وتوسيعَ فضاءاتِ ممارستِها بطُرقٍ واعية، لا يُضاهيه إلا تقدُيرنا لجسامةِ أمانةِ تحمُّل المسؤولية السياسية بكافة متطلباتِها المبْدئيةِ والأخلاقيةِ، والقانونية، فالأحزابُ و التجمعات السياسية، من منظورِ الدستور ،  يُعوّل عليها في تكوينِ الإرادة السياسية و التعبيرِ عنها.
و هي بهذا المعنى، تساهم في تشكيل رأيٍ عامٍّ مُسْتنير، حاضنٍ لقِيم المواطنة و الجمهورية والديمقراطية.
إن مؤسساتٍ بهذه المسؤوليات، وعلى هذا القدر من الأهمية، يُنتظَر منها وضوحُ المقاربات و القدرةُ على مشاريعَ مُجتَمعيةٍ ، ولذلك يُؤمَل منا جميعا، أن نعمّق التفكيرَ بغيةَ التوصُّل لمحدداتِ إصلاحٍ سياسي يُفعّل مؤسساتِنا السياسية ،ويجعلُها أكثرَ مواءمةً مع واقعِنا،  ومع متطلباتِ الممارسةِ الديموقراطيةِ الناجعة.
ومن ملامِحِ الإصْلاح أن تُشكّل الأحزابُ إطاراً لتوْحيدِ الجهودِ وأن تكون ممثلَةً لكل مُكوّناتِ الطيْف الوطني، بعيداً عن أيّة اعتبارات ضيقةٍ أخرى، وأن تمنحَ خياراتٍ واضحةَ المَعالمِ للراغبين في الانتماء إليها، مع احترامِ النصوصِ التنظيميةِ للأحزاب.
السادة والسيدات:
يتطلعُ الرأي العام الوطني إلى أن تفكروا ،بكل حرية ومسؤولية، في مجمل أوجه الحكامة السياسية، وأن تقيّموا الموجود وتستشرفوا الموعود، سبيلا لإيجاد حلولٍ عمَليةٍ، تَحُدّ تمْييعِ المشهد السياسي،وتضمنُ فعاليةَ المؤسساتِ الحزبية.
في الوقت  الحالي، يوجدُ عشرونَ حزباً سياسيا مُرخصا ،و ثمانيةٌ وتسعونَ ملفّا مُودَعاً، لدى المصالحِ المختصة؛ و لسْنا بحاجةٍ للتأكيد هنا، أن القطاعَ لا يهدِف إلى تقييدِ العمل السياسي، أو التضييقِ على الراغبين في تراخيص الأحزاب، ولا إلى مُصادَرة الحرّيات.
إنكم تُدْرِكون ما يكتنفُ تصخُّمَ عدد الأحزاب، من انعكاساتٍ إجرائيةٍ وتنظيمية، وما ينجُم عنه من تبديدٍ لجُهود الفاعلين السياسيين و للجُهد العمومي الداعمَ للأحزاب  والمؤطِّر لها ، ومن تعقيدٍ للعمليات الانتخابية.
فالأحزابُ السياسيةُ مشاريعُ مجتمعٍ، هدفُها الوصولُ إلى السلطة، وبالتالي ينبغي أن تتشكّل قياداتُها من نُخبةِ الطبقةِ السياسية، و أن تكونَ أكثر حرصاً من الجميع، على التحسينِ من  ضوابطِ ومعاييرِ  تنظيم الأحزاب، سعياً إلى ضبط وتحديد حقوقِ و واجباتِ هذه المؤسساتِ، وضوابطِ العمل السياسي.
فالتضخُّمُ المفْرِطُ لعددِ الأحزاب، لا يُفْضى بالضرورةِ، إلى التعدديةَ الديمقراطيةَ السّويّة التى تعني توفُّر وتَنَوُّعَ ما تتقدمُ به الأحزابُ، من مشروعاتٍ مجتمعيةٍ موضوعيةٍ، تمنحُ خياراتٍ متعددةٍ للمواطنين.
السادة والسيدات
أدعوكم إلى نقاشٍ جادٍّ ومعمّقٍ لكل أوْجُهِ حكامةِ البلادِ السياسية، نقاشٍ يُفضي لمُخْرجاتٍ عمَليةٍ، قابلةٍ للتطبيق، ستُوليها الوزارة ـ بحول الله ـ كامل العنايةِ، في سياق الإصلاحات التي نتطلّع إليها جميعا.
أُعلنُ ـ على بركة الله ـ افتتاح الأيام الوطنية للتشاور حول التحضير التشاركي للانتخابات الرئاسية ، وتطوير الحكامة السياسية.

وفقنا الله جميعا لما فيه خير البلاد وصالح العباد.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.