غامبيا.. رحيل الشيخ والداعية محمد بشير كمارا رئيس الاتحاد الإسلامي الغامبي
توفي اليوم الأحد الموافق 08/01/2023 فضيلة الشيخ والداعية محمد بشير كمارا رئيس الاتحاد الإسلامي الغامبي, وذالك بعد صراع طويل مع المرض, بعد عمر حافل بالعطاء والدعوة إلى الله وخدمة الثقافتين العربية والإسلامية,
وبهذه المناسبة الأليمة يرفع المدير الناشر لموقع “جسور نت ” أصالة عن نفسه ونيابة عن أسرة التحرير, تعازيه القلبية إلى الأخ والصديق مصطفى محمد بشير كمارا ومن خلاله أسرة الفقيد والشعب الغامبي الشقيق والأمة الإسلامية جمعاء, راجين من المولى عز وجل أن يتغمده برحمته الواسعة وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان وإنالله وإناإليه راجعون.
إليكم نبذة من سيرة الشيخ الراحل رحمه الله:
ـ اسمه ونسبه:
إنه فضيلة الشيخ القدوة الخلوق الصالح المتواضع المهيب الإمام: محمد بشير بن الشيخ أبي بكر جيتي كمارا “الجُولِيّ” مولدا و”التَنْكُلاَرِيُّ” أصلاً، والكينوي إقليما، رئيس الاتحاد الإسلامي الغامبي، وإمام وخطيب المسجد الجامع بـ”سِيرا كُنْدا – لُنْدُنْ مَدينة”.
ـ مولده ونشأته:
في عام 1947م، ولد الشيخ محمد بشير كمارا رحمه الله في قرية “جُولِي” الواقعة في منطقة “كِيًا”، إلا أن أصول العائلة انحدرت من قرية “تَنْكُلَارِ” الواقعة في منطقة “كِيًا” الغربية، وقد نشأ وترعرع -في بيت عرف أهله بالعلم والأدب – على يد والده الشيخ أبي بكر جيتي كمارا الجولي، الذي كان مصدراً من مصادر التعليم الإسلامي ومرجعاً من مراجع العلم في تلك البلدة. ولما بلغ سن الثالثة عشرة، انتقل للعيش مع أخيه الكبير الشيخ إبراهيم بن الشيخ أبي بكر جيتي كمارا الذي كان مقيما في مدينة “سيرا كندا” في ذلك الوقت.
ـ طلبه للعلم:
بدأ الشيخ رحمه الله مشواره العلمي في قريته” كِيًا جولي” على يد والده الشيخ أبي بكر جيتي كمارا منذ نعومة أظفاره، حيث كان والده معلما ومربيا في إحدى الكتاتيب القرآنية في القرية -رحمه الله، فنهل من فيض أدبه قبل علمه.
التحاقه بالمدارس النظامية:
وفي فترة ما بين عام 1960م وعام 1961م، انتقل الشيخ من القرية إلى مدينة “سيرا كندا” ليلتحق بالمدرسة العربية الابتدائية حيث كان أخوه الشيخ إبراهيم كمارا يعمل مدرسا، وكان مدير المدرسة يومئذ الشيخ حطاب شريف بوجًا الغنجوري رحمه الله.
وفي هذه المدرسة تعلم رحمه الله مبادئ اللغة العربية من نحو وإنشاء وشعر على يد الشيخ حطاب بوجا، بينما تعلم مبادئ العلوم الأخرى على يد أخيه الشيخ إبراهيم كمارا.
رحلاته العلمية في خارج غامبيا:
وفي عام 1968م، قام الشيخ رحمه الله ببيع محصول مزرعته التي كان يعمل عليها خلال موسم المطر استعدادا للخروج في طلب العلم خارج غامبيا، فلما تم بيع المحصول بنجاح، خرج إثر ذلك في همم كالجبال قاصدا صوب العاصمة السنغالية ( دكَـار) فلما وصل؛ التحق بالمعهد العربي الفرنسي في دكار ” FRANCO Arabe” ، وتم تسجيله في القسم العربي في تلك المدرسة.
وخلال هذه الفترة كان يتردد كثيرا على الشيخ سبكي سيلا -الذي كان عنده مجلس علمي في دكار -ليدرس عليه الفقه المالكي وغيره، وقد استفاد الشيخ محمد بشير كمارا من الشيخ سبكي سيلا كثيرا، سواء في الجانب العلمي أو الأدبي.
وخلال دراسته في المعهد العربي الفرنسي، حصل على شهادة تعادل شهادة المراحل الإعدادية، وبعد حصوله على تلك الشهادة قام بإرسالها في العام نفسه إلى الجامعة الإسلامية. وفي عام 1970م، تم قبول الشيخ محمد بشير كمارا في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، -على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم-.
*التحاقه بالجامعة الإسلامية بالمدينة:*
وفي عام 1971م، التحق الشيخ رحمه الله بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، وكان بذلك أول غامبي يُقبل في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية بعد الشيخ حطاب بوجا الذي كان قد سبقه إلى هناك، إلا أن الشيخ حطاب بوجا لم يلبث أن تحول منها إلى جامعة أم درمان الإسلامية في السودان، وفيها تخرج رحمه الله.
ولما وصل الشيخ إلى الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية استأنف الدراسة في المرحلة المتوسطة فالثانوية فالجامعية. وأثناء دراسته في المتوسطة أتى الشيخ شريف بَجَانَ قادما من السودان وقد أتم الدارسة الثانوية في معهد أم درمان بالسودان، فلما وصل إلى الجامعة الإسلامية التحق بكلية الدعوة مباشرة، وبذلك كان الشيخ شريف بجان أول خريج غامبي في الجامعة الإسلامية، مع أن الشيخ محمد بشير كمارا كان أولهم قبولا في الجامعة الإسلامية.
وخلال دراسة الشيخ محمد في الجامعة الإسلامية كان رئيسا للطلاب الغامبيين بالمدينة النبوية، ويُعدّ بذلك أول رئيس للطلبة الغامبيين بالمدينة النبوية، على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم.
*جهوده في مجال التعليم* :
وفي عام 1981م، تخرج الشيخ في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية، ورجع إلى البلد حفظه الله ورعاه.
وفي عام 1982م، التحق بهيئة التدريس في المعهد الإسلامي بـ(تَلِنْدِنْ كُنْجًا) بالإضافة إلى تعيينه نائبا لمدير المعهد الإسلامي.
وفي عام 1990م، تم تعيينه مشرفا لمكتب شؤون اللغة العربية بالمعهد الإسلامي.
وفي عام 1990م أصبح الشيخ محمد بشير مديرا للمعهد الإسلامي والمدارس التابعة للاتحاد الإسلامي الغامبي، وقد ظل في هذا المنصب حتى عام 2011م.
وفي عام 2011م، تم تعيين الشيخ محمد بشير كمارا رئيسا للاتحاد الإسلامي الغامبي خلفا للشيخ علي شجاع فاتي -رحمه الله -خريج جامعة الأزهر.
ـ جهوده في الإدارة التربوية والتعليمية:
لقد شهد المعهد الإسلامي تقدما ملحوظا -من حيث تطوير النظام الدراسي والعلاقات الداخلية والخارجية وغيرها، بالإضافة إلى زيادة الأنشطة الطلابية الثقافية -منذ أن تولى الشيخ محمد بشير كمارا إدارته، وذلك في عام 1990م، فصار عدد الطلاب في ازدياد مستمر، ويتبع ذلك ازدياد عدد المعلمين تلقائيا، وكان ذلك مساهمة مشكورة في تقليل حجم البطالة لدى الشباب المثقفين وغيرهم.
ولما أصبح الشيخ محمد بشير كمارا رئيسا للاتحاد الإسلامي في عام 2011م، أحدث قفزة نوعية في مسيرة الاتحاد الإسلامي، حيث أضاف إلى مشاريعه مشروع جامعة الحكمة الذي بدأ بكلية التربية للبنات، والتي سوف تتحول قريبا – إن شاء الله – إلى جامعة إسلامية حديثة تضم مختلف الكليات بين جنباتها إن شاء الله، وهي هي حاليا قيد الإنشاء، وقد تمت أجزاء كبيرة من المشروع -والحمد لله. وإذا تم هذا المشروع، فسوف يدفع بعجلة التعليم الإسلامي العالي في غامبيا نحو مزيد من التقدم والازدهار.
وبالجملة؛ فإن جهود الشيخ في هذا المجال يصعب تعدادها بشكل إحصائي، ولكن يمكن إجمالها في النقاط التالية:
1 – إيجاد مرحلتي الإعدادية والثانوية وشهادة رسمية لكل مرحلة. حيث حازت في عهده أولى دفعة على الشهادة الثانوية في عام 1989 م – 1990م.
2- النجاح في إيجاد معادلة شهادة المعهد الإسلامي لدى جامعات الدول العربية وبالأخص المملكة العربية السعودية، مما سنحت الفرصة للطلاب لمواصلة دراساتهم في المملكة وغيرها من الدول العربية بكل سهولة ويسر.
3- السعي الحثيث إلى فتح مسار العلاقات بين الاتحاد وبين المؤسسات والهيئات الخيرية العالمية في العالم العربي، وقد نتج عن ذلك علاقات وطيدة بين الاتحاد وبين بعض المؤسسات العلمية والخيرية في العالم الإسلامي والتي من بينها: صندوق التضامن الإسلامي بمنظمة المؤتمر الإسلامي – جدة – المملكة العربية السعودية، الذي يعتبر أكبر وأهم مؤسسة مانحة للاتحاد في دعم مشاريعه التعليمية والخيرية الاستثمارية، وهو الممول الرئيس لمشروع جامعة الحكمة التابعة للاتحاد الإسلامي بقرية فربابنتا.
4- بناء مستوصف المعهد بتمويل من صندوق التضامن الإسلامي بجدة، والمستوصف لا زال يلبي احتياجات منسوبي الاتحاد صحيا طلابا وأساتذة منذ إنشائها، إضافة إلى توفير الخدمات الصحية للمجتمع الغامبي عبر إجراء الفحوصات والكشوفات الطبية والتحاليل الدموية، وكذا علاج بعض الحالات الغير المستعجلة.
5- تم بناء أولى كلية للبنات لأول مرة في تاريخ البلاد وهي ( كلية التربية للبنات – جامعة الحكمة التابعة للاتحاد)،وهي قيد التشغيل حاليا، وقد دخلت سنتها الخامسة والحمد لله، حيث تم تخريج الدفعة الأولى في عام 2019م، وهي قيد انتظار حفلة التخريج. والكلية تقبل الطالبات من مختلف المعاهد والمدارس الإسلامية في غامبيا، وبكونها الكلية الأولى للبنات في مجال التعليم العربي العالي في غامبيا، فإن الأمل معقود عليها أن تلبي رغبات كثير من الأسر الغامبية التي تود أن تنال بناتها العلم والخبرة في بيئة علمية تراعى فيها خصوصياتهن، وتحترم فيها القيم الدينية، وقد بلغ عدد المقبولات في الوقت الراهن أكثر من 200 طالبة من مختلف المعاهد الإسلامية في البلاد.
6- وعلى نفس المسار، تم في عهده بناء كليتي الشريعة والتربية للبنين تحت مسمى: مشروع بناء جامعة الحكمة التابعة للاتحاد. من طرف صندوق التضامن الإسلامي بمنظمة المؤتمر الإسلامي في قرية فربا بنتا، والكليتان جاهزتان لكن الدراسة لما تنطلق فيهما بعد.
7- السعي إلى لفت انتباه الحكومة رسميا إلى الاتحاد الإسلامي، والقيام بالاجراءات الرسمية اللازمة في كسب ثقة الحكومة به، إذ منحته التصريح الكامل لمزاولة أنشتطه المختلفة، تربويا واجتماعيا ودعويا واقتصادية. وقد تم تسجيل الاتحاد رسميا في مكتب المدعي العام بوزارة العدل للدولة، وفي مكتب الوكالة الوطنية لشؤون المؤسسات الغير الحكومية، فأحرز الاتحاد حالة المؤسسات الغير الحكومية التي تمتاز بكثير من الامتيازات المهمة، منها: إعفاءه عن الرسوم الجمركية على المساعدات التي تصل إليه من طرف المانحين. وكذا إعفاءه عن الضرائب على ممتلكاتها.
8- تشييد ست عشرة محلات تجارية للإيجار والاستثمار الوقفي في سوق لاتركندا سابجي، تم تمويلها من طرف صندوق التضامن الإسلامي، وهي عبارة عن قطعة أرض تم شراؤها وبناءها على شكل دكاكين للاستثمار الوقفي، وهي قيد التشغيل منذ أكثر من عشر سنوات.
9- السعي في توفير وسائل النقل للاتحاد (السيارات)، حيث إن جميع السيارات التي لدى الاتحاد تم الحصول عليها بجهوده وتوجيهاته وإرشاداته سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
هذا غيض من فيض لو استقصيت جهوده لاستوعبت أسفارا.
ـ جهوده الدعوية:
للشيخ محمد بشير كمارا جهود عظيمة في مجال الدعوة إلى الله، تتمثل فيما يقدمه من دروس في المعهد الإسلامي، إضافة إلى ما يقدمه من برامج دعوية في إذاعة غامبيا، كما أن للشيخ مشاركات في بعض المؤتمرات الإسلامية التي تقام في غامبيا وخارجها، بصفته إما محاضرا أو معلقا أو ضيف شرف أو غير ذلك، كما أن الشيخ رحمه الله يعد من الدعاة الكبار التابعين لرابطة العالم الإسلامي.
المصدر: الشيخ محمد بشير كمارا ودوره في الإدارة التعليمية التربوية/ سليمان دانجو بن تماني الغامبي ـ بتصرف